strong> ربى أبو عمو
يوليا تيموشينكو «أسوأ رئيسة وزراء في تاريخ أوكرانيا». هكذا وصفها الرئيس فيكتور يوتشينكو حين تولّت المنصب عام 2005. لكن يوتشينكو نفسه بارك أمس عودتها إلى هذا المنصب، بعدما رشحتها الغالبية البرلمانية، التي يمثّلها حزبها بالتحالف مع تكتل الرئيس، «أوكرانيا لنا ـــــ المقاومة الشعبية».
فـ«الأميرة البرتقالية»، التي كانت أحد أبرز وجوه الثورة البرتقالية الموالية للغرب، تولّت رئاسة الوزراء في عام 2005، بعدما أوصلت الثورة يوتشينكو إلى رئاسة البلاد عام 2004. إلاّ أنها استمرّت في منصبها 7 أشهر فقط نتيحة خلافات حادة مع الرئيس أدت إلى طلاق سياسي بين حليفي الثورة. لكنها استعادت نفوذها السياسي بعدما حلّ الرئيس الأوكراني البرلمان في الثاني من نيسان الماضي.
وبهذا التعيين، تكون الأزمة السياسية الأوكرانية التي عصفت بالبلاد منذ أشهر على مشارف النهاية. وكان آخرها عجز البرلمان بعد الانتخابات التشريعية المبكرة في 30 أيلول الماضي عن تأليف حكومة جديدة بسبب الخلاف في توزيع المناصب. وقد ظهرت بقعة الضوء هذه، بعدما تمكّن المجلس من إنشاء «التحالف البرتقالي» بين تيموشينكو ويوتشينكو الأسبوع الماضي، تلاها انتخاب أرسيني ياتسينيوك، التابع للتحالف، رئيساً للبرلمان.
ولا يمكن النظر إلى الصراع السياسي الأوكراني باعتباره شأناً داخلياً ضيقاً، بل هو مجرّد ساحة أخرى للتجاذبات «البرتقالية والحمراء»، بين الولايات المتحدة وروسيا؛ فأوكرانيا تجسّد بالألوان أيضاً، تناقضاً سياسياً بين البرتقاليين الموالين للغرب، والذين قادوا الثورة البرتقالية عام 2004، وبين حزب المناطق الذي يتزعمه رئيس الوزراء السابق فيكتور يانوكوفيتش الموالي للروس، إضافة إلى آخرين، يمكن صبغهم بالأحمر.
والحزب الموالي للغرب يريد أن يقود البلاد للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، وبالتالي إفساح المجال أمام الاستثمارات الغربية، وخلق سياسة اقتصادية ليبرالية. في المقابل، يرغب الفريق الآخر في الانصياع للمشروع الروسي المناهض للولايات المتحدة على وجه الخصوص، وتكوين مشروع اتحادي يفترض أن تنضم إليه روسيا البيضاء وكازاخستان لإنشاء جبهة أوروآسيوية توازي نظيرتها الغربية.
وتمثّل أوكرانيا، بالنسبة إلى روسيا، أخطر بوابة جيوسياسية يمكن أن تفقدها موسكو في الشرق الأوروبي، بعدما خسرت النافذة الحيوية على بحر البلطيق بانضمام أستونيا ولاتفيا وليتوانيا إلى «الأطلسي». وقد تنسحب هذه الخسارة إلى تهديد وجود الأسطول الروسي في مياه البحر الأسود الأوكرانية. أمّا الولايات المتحدة، فترغب في تضييق النفوذ الروسي، وجذب ما بقي من إمبراطوريتها السابقة إليها.
وتبقى مسألتا الغاز والنفط؛ ففي الأولى، اتفقت روسيا وأوكرانيا على تحديد أسعاره، ما يبعد احتمال نشوء أزمة جديدة بينهما على هذا الصعيد. أما في الملف الثاني، فلا بد من الإشارة إلى أن الشركات الروسية تسيطر على ثلثي سوق أوكرانيا لمنتجات النفط. ويبلغ نصيبها في الواردات الأوكرانية من النفط نحو 90 في المئة، وتعد 4 من مصافي النفط الأوكرانية الـ6 ملكاً للشركات الروسية.
ويطرح ذلك تساؤلاً عن الموقف الروسي من سيطرة الفريق الموالي للغرب على البرلمان والحكومة الأوكرانية، ومدى استفادة الغرب من هذا «النصر». فهل ستتكئ موسكو على سياسة كسب الود، الذي من المفترض أن تؤدّيه أيضاً تيموشينكو بين الغرب وروسيا، ضمن ما يسمّى سياسة مسك العصا من الوسط، وإن مالت قليلاً لمصلحة طرف على آخر. أم أنه لا تزال لدى موسكو أوراق تنتظر الوقت المناسب لاستهداف واشنطن من خلالها.