strong> ربى أبو عمو
العد العكسي نحو حسم الوضع في إقليم كوسوفو بدأ. فالوقت بات أسرع من المجتمع الدولي، والرهان معقودٌ على مقدرة قطبي هذا المجتمع، أي الولايات المتحدة وروسيا، على كسب كل منهما الوقت لمصلحته، وإطاحة كبرياء الآخر.
جلسة مجلس الأمن ستعقد في 19 الشهر الجاري، إلّا أن احتمال تذويب الجليد بين الجانب الصربي، المدعوم من روسيا، والألباني، المدعوم من الغرب، بات أمراً شبه مستحيل.
وعلى الأرجح، لن تتراجع روسيا عن تهديدها باستخدام حق النقض (الفيتو) ضدّ قرار استقلال الإقليم المشروط، وبالتالي لن يلغي مجلس الأمن القرار الرقم 1244، الذي صدر في عام 1999 إثر هجمات قوات حلف شمال الأطلسي على كوسوفو لإنهاء النزاع الصربي الألباني، والذي أقرّ سلطة صربيا على الإقليم في فترة تهيئته من الحلف للحكم الذاتي.
واستمرار اعتماد هذا القرار لن يتيح للمجلس الموافقة على استقلال مشروط للإقليم، ضمن الخطة التي طرحها الممثّل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة مارتي أهتيساري. إلا أن لواشنطن خيارها، الذي من المرتقب أن يتجاوز مجلس الأمن، للمضي باستقلال أحادي للإقليم.
بين الموقفين الروسي والأميركي، يدرك الاتحاد الأوروبي أنه لا خيار أمامه سوى التوصل إلى إجماع بين أعضائه على موقف من أزمة كوسوفو، إذ يفترض أن يتولّى زمام إدارة الأزمة إلى جانب حلف شمال الأطلسي، لكونهما يمثّلان غالبية الجانب الغربي المؤيّد للاستقلال.
ولا يملك الاتحاد الأوروبي الكثير من الوقت لترويض خلافاته. وهو يجد نفسه حالياً في مواجهة خيارين، أولهما بقاء الوضع على ما هو عليه، ما يحتِّم حلاً فورياًَ للوضع غير المستقر في الإقليم ومناطق غرب البلقان. أما الخيار الثاني فهو المضي بخطة إعلان الاستقلال الأحادي، الذي يطرح مشاكل أكثر خطورة عند العتبة الأوروبية، تهدد بتكرار سيناريوات حروب البلقان التي قامت على نزاعات دينية وإثنية وعرقية، وبالتالي زعزعة الاستقرار في أوروبا والإضرار بمسيرة نموها.
ومن شأن هذا الانفجار تغيير المعادلة الإقليمية بأكملها. فلن تكون هذه الحروب الأهلية، إذا وقعت، إلّا جزءاً من الأيدي الغربية والروسية، التي ستتدخّل وفق معادلة «إما قاتل أو مقتول».
وخلال السنوات العشر الأخيرة، عرفت منطقة البلقان حروباً أهلية شهدت مجازر ضد الملايين من المدنيين، ونزوحاً لللاجئين، وخراباً للبنى التحتية والنسيج الاجتماعي والاقتصادي والثقافي.
ففي البوسنة والهرسك بين عام 1912 و1915، اشتعلت الحرب بين البوسنيين والكروات والصرب، التي لا تزال آثارها قائمة حتى اليوم، رغم اتفاق «دايتون»، الذي أدى إلى تقسيم البوسنة والهرسك إلى جزأين متساويين نسبياً، هما فدرالية البوسنة والهرسك، وجمهورية صرب البوسنة، إضافة إلى انتشار قوات حفظ السلام الدولية «الإيفور».
وفي تسعينيات القرن الماضي اندلعت حروب يوغوسلافيا السابقة التي توجهت بهجوم أطلسي على كوسوفو عام 1999، بقي مجسداً في قوات «كيفور» حتى اليوم.
عودة مثل هذه الصراعات إلى البلقان قد تكون شبه حتمية في حال إعلان الاستقلال الأحادي، في ظل وجود أقلية صربية في كوسوفو، وأقلية ألبانية في مقدونيا، وصربيا والجبل الأسود.
الطبخة الأميركية والغربية والألبانية باتت شبه ناضجة، وتنتظر الوقت المناسب، إلا أن الغرب يدرك أن هذا الأمر سيكون مكلفاً لجهة تردّي العلاقات مع روسيا، والانفجار التدريجي الذي سيعيد أوروبا إلى نقطة الصفر، وخصوصاً أن المشروع الألباني لا يقف عند حدود كوسوفو.