باريس ــ بسّام الطيارة
العين اليوم على باريس، حيث تجتمع الدول المانحة في أول المؤتمرات المكملة لأنابوليس، والذي سيكون مخصصاً للدعم الاقتصادي لسلطة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وفرصة لحفل صور جديدة تجمع العرب والإسرائيليين

ينتظر الفرنسيون اليوم المؤتمر الدولي لمساعدة الفلسطينيين، الذي يريده وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير «المسهّل الاقتصادي» الذي يربط بين لقاء أنابوليس واللقاء المنتظر في موسكو، في محاولة لإعادة الحياة إلى العملية السلمية لحل المسألة الفلسطينية.
إلا أن هذا المؤتمر، الذي يريده الجميع اقتصادياً بالدرجة الأولى، بدأ مخاضه الإعلامي بتردد في التسمية الرسمية، التي ضاعت بين: المؤتمر الدولي للدول المانحة لـ«الدولة الفلسطينية» أو لـ«الأراضي الفلسطينية». ومن نافل القول إن بين التسميتين فرقاً شاسعاً يغوص في أعماق الحل السياسي، رغم رفض المسؤولين الفرنسيين تعليق أهمية «على هذا التغيير»، مصرّين على أن «التوجه التنموي» والمشاركة الدولية في رفع الاقتصاد الفلسطيني يفتحان آفاق الحل السياسي.
وأكدت المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الفرنسية، باسكال أندرياني، أن باريس دعت نحو ٩٠ دولة ومنظمة دولية للمشاركة في المؤتمر، الذي يفتتحه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بحضور الرئيس الفلسطيني محمود عباس. وأوضحت أن معظم الدول المدعوّة أكدت حضورها على مستوى وزراء الخارجية، مشيرة إلى أن هذه المشاركة الواسعة تمثّل «دعماً سياسياً» للسلطة الفلسطينية.
وفيما لم تستطع أندرياني تأكيد مستوى حضور سوريا، أعلنت أن وزيرة خارجية إسرائيل تسيبي ليفني ستقدم مداخلة في المؤتمر، كما ستقدم «الدعم المالي مثل بقية الحضور».
وأشارت بيانات الدعوة الرسمية إلى أنه إلى جانب الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، فإن ثماني من أكبر المنظمات الإقليمية العربية المالية والتنموية أكدت مشاركتها، مثل صندوق النقد العربي، صندوق التنمية السعودية، المنظمة الكويتية للتنمية الاقتصادية العربية، الصندوق العربي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، ومجلس التعاون الخليجي ممثلاً بأمين سره عبد الرحمن العطية.
وقد أشارت مصادر مقرّبة من الهيئة التحضيرية للمؤتمر إلى أن الدول المانحة المجتمعة سوف «تستجيب لطلب السلطات الفلسطينية» لتغطية خطة التنمية المبنية على البرنامج الإصلاحي، الذي سبق أن أرسله رئيس حكومة تسيير الأعمال سلام فياض، والتي قدرت بـ 5.6 مليارات دولار، تشمل تغطية ميزانية السلطة وسلة من المشاريع الإصلاحية الهيكلية. وأشارت مصادر مطلعة، لـ«الأخبار»، إلى أن 3.9 مليارات دولار ستقدم على شكل هبات، بينما يخصص الجزء الباقي لتمويل مشاريع تنموية. وتؤكّد المصادر أن مخصصات العام المقبل سترتفع إلى 1.8 مليار دولار، منها 1.35 مليار دولار لتمويل الميزانية وتأمين دفع نفقات القطاع العام، ومنها «رواتب الموظفين»، بينما يخصص الباقي لمشاريع «جرت الموافقة عليها من جانب البنك الدولي وصندوق النقد الدولي» في السابع من مطلع هذا الشهر.
إلا أنه رغم «التباشير الإيجابية» التي يراها القيّمون على تنظيم المؤتمر، الذي ينهيه ساركوزي مساء بمؤتمر صحافي مشترك مع عباس، فإن البعد السياسي موجود بقوة تحت الغطاء الاقتصادي وكمّ الأرقام التي ستذاع في نهايته، كما تتلبّد في أفقه مجموعة من علامات الاستفهام والأسئلة، التي ستفرض نفسها على أجواء المجتمعين والنتائج المنتظرة. وبالرغم من اعتراف مصادر متابعة بأن المبالغ التي ستسهم بها الدول والمنظمات «معروفة مسبقاً»، وأن الوفود ستكتفي بمداخلة «لا تتجاوز دقيقتين» لكل منها، يتفق المراقبون على أن «مسألة غزة» تسد أفق النتائج قبل افتتاح المؤتمر، بينما من المتوقع أن تكون «المسألة الأمنية والحواجز في الضفة الغربية» مادة دسمة للجدال.
وعلمت «الأخبار» أنه خلال لقاء بين المكلّف تنظيم المؤتمر بيار دوكان وبعض الصحافيين الفلسطينيين، شدد المسؤول الفرنسي، وهو موظف سابق رفيع المستوى في صندوق النقد الدولي (مثله مثل سلام فيّاض)، على أن المانحين لم يضعوا «أي شروط استباقية للمؤتمر» الذي هو «لكل فلسطين، والمنح تشمل الضفة وغزة»، مشيراً إلى أن «مشروع تكرير مياه في بيت لاهيا» هو في طليعة مشاريع التنمية التي ستقرر، إلى جانب التمديدات الكهربائية والبنية التحتية في غزة.
كما ذكر دوكان أن كل بنود الميزانية المقدمة للمؤتمر من السلطة الفلسطينية «تشمل غزة، ومنها رواتب الموظفين الرسميين التي لا تزال تدفع»، معترفاً في الوقت نفسه بأن ما يدفع من معاشات للقوى الأمنية هو فقط «للذين يلازمون منازلهم»، أي للقوى الأمنية المؤيدة للسلطة والمعتكفة عن العمل، مشيراً إلى إمكان «صرف ما يزيد عن ٣٠ ألف موظف أمني»، فيما تلمح المصادر الفلسطينية إلى إمكان صرف ما يزيد عن ٧٠ ألف موظف.
إلا أنه، كما يقول دبلوماسي عربي في باريس، فإن المؤتمر سيتجاهل «العقبة الكبرى التي يمثّلها الانقطاع التواصلي» بين غزة والضفة. ويقول إن «شمول غزة في مشروع فياض هو فقط على الورق» إذ لا نفوذ للسطلة على أرض غزة، «وهو ما لا يريد المؤتمرون النظر إليه».
وفي إشارة إلى «مشروع بيت لاهيا»، يقول أحد الفلسطينيين العاملين في الشأن العام، إن «هذا المشروع هو مطلب إسرائيلي، لأن المياه الآسنة تصب في الأراضي الإسرائيلية». ويضيف بأنه في ما يتعلق بالطرق المطلوب تأهيلها، فإن الحواجز الإسرائيلية في الضفة تمنع «الذهاب في أي مشروع أكثر من خمسة كيلومترات»، في ظل وجود ما يزيد على ٤٠٠ حاجز أمني ثابت.
وقالت مصادر مطلعة إن منسّق اللجنة الرباعية طوني بلير قد أثار «المسألة الأمنية»، وعلى وجه التحديد «مسألة الحواجز الإسرائيلية» في الضفة الغربية. وعلمت «الأخبار» أن البريطانيين قد جعلوا من مسألة رفع إسرائيل الحواجز شرطاً أساسياً خلال المفاوضات وراء الكواليس، مشددين على أن حرية التنقل شرط لأي انطلاقة لنمو الاقتصاد الفلسطيني.
وفي حين تمثّل المسألة الأمنية الشغل الشاغل لإسرائيل، التي تقول بوجود «هدر في الأموال المرصودة للأمن» وتطالب بخفضها للاستفادة منها في جوانب أخرى، مثل التعليم والصحة، تشكك المؤسسات المالية الكبرى في إمكان تطبيق برامج النمو المقترحة جراء «تأثير الوضع الأمني الذي يمنع انتقال السلع والأشخاص والخدمات، إلا إذا عاد الوضع إلى ما كان عليه عام 2000»، أي قبل الانتفاضة الثانية، ما يدخل نتائج المؤتمر المنتظرة في أتون التوقعات السياسية.