حسام كنفاني
مفارقة مؤتمر باريس للدول المانحة اليوم أنه «مكمّل» لما لم يكتمل، أي مؤتمر أنابوليس، الذي أرسى مجموعة من الخطوات، وسقط قبل انطلاق الخطوة الأولى مع مشروع الاستيطان في جبل أبو غنيم في القدس.
رغم ذلك، فمسار أنابوليس ماضٍ في طريقه، فلسطينياً على الأقل، ذلك أن التفاهمات والالتزامات المفروضة على السلطة، برضاها أو بغيره، لا يمكن القفز فوقها دولياً. ومن المؤكّد أنها ستكون في صدارة المطالب الدولية والإسرائيلية داخل الغرف المغلقة من الجانب الفلسطيني.
فمليارات الدولارات المتوقع أن تغدقها الدول المانحة على حكومة تسيير الأعمال برئاسة سلام فياض لن تكون منحاً مجانية في المطلق؛ فهناك لائحة طويلة من الشروط المخفية في طيات الأموال المقدمة، في طليعتها «ضبط الوضع الأمني» مع اعتماد نابلس نموذجاً، حيث «نجحت» السلطة الأمنية لسلام فياض في تحويلها إلى «جنة آمنة» بالمقياس الإسرائيلي، عبر صفقات المطلوبين وتسليم الأسلحة، إضافة إلى الحملات على الفصائل المسلحة، باعتبارها جزءاً من «الفوضى الأمنية».
نابلس هي البداية، ومعيار تقديمات المانحين الممتدة على ثلاث سنوات، ستكون مرتبطة بمدى امتداد التجرية على سائر مدن الضفة الغربية. وبالتأكيد لن تكون الأموال بمعزل عن لجان مراقبة دولية ـــــ إسرائيلية، للتأكّد من آلية صرفها وعدم وصولها إلى «عناصر إرهابية»، بحسب التصنيفات الأميركية ـــــ الإسرائيلية، وهو ما يعني حكماً أن قطاع غزة، الذي يعاني أقسى أنواع الحصار والعوز، سيكون محروماً من «السخاء» العربي والدولي، باعتباره محكوماً من حركة «حماس».
لائحة المطالب لن تقف عند هذا الحدّ، فهي مرتبطة بشكل وثيق بمدى التقدّم في خطوات قيام الدولة الفلسطينية، بغضّ النظر عن الطرف المعرقل، ولا سيما أن الأموال مقدّمة تحت عنوان «تأسيس الدولة الفلسطينية»، وبالتالي فإن وقف المفاوضات المؤسسة لمثل هذه الدولة سيعني وقف الانفتاح المادي والعودة إلى «قطّارة» المساعدات التي غالباً لا تصل إلى مبتغاها.
و«تحسين حياة الفلسطينيين»، الذي يتغنّى به مبعوث «الرباعية الدولية» طوني بلير، ليس مجانياً، فهو مرتبط بـ «مطواعية» سلطتهم، التي ستكون حريصة على إبقاء مسار التفاوض بأي ثمن كان.
في المقابل، فإن الحضور الإسرائيلي سيكون متفرجاً على كمّ الشروط الدولية الملقاة على كاهل الفلسطينيين، والتي ستتجاهل الحواجز والإغلاق والاقتحامات والاستيطان، على اعتبار أنها جزء طبيعي من سلطة الأمر الواقع.