باريس ــ بسّام الطيارة
جاء الفلسطينيون إلى باريس للحصول على مساعدات مالية، بحسب خطة رئيس حكومة تسيير الأعمال سلام فياض، فلم يخب ظنهم، إذ تجاوزت وعود التقديمات الـ 7.4 مليارات دولار لثلاث سنوات، وهو مبلغ تجاوز ما طلبه الفلسطينيون في بداية المؤتمر، عندما أعرب فياض عن رغبته في وصول المنح إلى 5.6 مليارات دولار

أعلن وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير أمس أن مؤتمر الجهات المانحة الدولية تعهد بدفع 7.4 مليارات دولار للفلسطينيين خلال الأعوام الثلاثة المقبلة. وأضاف، في ختام المؤتمر، «كان هدفنا جمع 5.6 مليارات دولار. والآن لدينا 7.4 مليارات»، مشيراً إلى أن الدول والمنظمات المانحة تعهدت بدفع 3.4 مليارات دولار في عام 2008 وحده.
وكان لافتاً أن الصحافة التي غطّت المؤتمر لم تسعَ إلى الحصول على قيمة المساعدات والمنح التي كان يعلن عنها المندوبون بعد الخطابات المقتضبة، مثلما كان الأمر خلال مؤتمر «باريس ـــــ ٣»، إذ إن الجميع كان على قناعة بأن «كل شيء مرتب مسبقاً»، حسبما صرّح عضو في أحد الوفود الآسيوية لـ«الأخبار».
ورغم ذلك، فإن الاهتمام الإعلامي والحكومي كان بحجم الوفود الكبيرة التي أمّت باريس، إذ إن «الحدث هو سياسي في الدرجة الأولى». ويكفي النظر ملياً في تفاصيل مداخلات أهم الأفرقاء من الرئيس محمود عباس إلى الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي لاستشفاف البعد السياسي لهذا اللقاء، الذي يراه البعض الطريق الذي يمهد لنجاح الطرق الأخرى.
وخلال افتتاح أعمال المؤتمر، شدّد ساركوزي على أن فرنسا «لن تقيم علاقات ولن تجري محادثات ولا حواراً مع حماس إذا لم يُستجب للشروط التي وضعها المجتمع الدولي». وأعلن عن مساعدة بقيمة ٣٠٠ مليون دولار «من أجل مواكبة إنشاء الدولة الفلسطينية»، ودعا الإسرائيليين إلى إنهاء الاحتلال، والسلطة الفلسطينية إلى مواجهة المشكلة الأمنية، مشدداً على ضرورة إقامة دولة فلسطينية «مستقلة وديموقراطية، تمثل كل الفلسطينيين، أينما وجدوا»، ومطالباً بأن تكون «دولة مسالمة وشريكاً موثوقاً لجيرانها ولإسرائيل بالدرجة الأولى».
وأشار ساركوزي إلى ضرورة أن تتمتع الدولة العتيدة «بتواصل بين قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية». أوضح أن مؤتمر باريس سيقدم مساعدات لغزة، في إطار «دعم فوري لكافة سكان الأراضي الفلسطينية»، مشدداً على «الدعم الإنساني» للقطاع، وعلى أنه «ينبغي أن يستعيد الفلسطينيون وحدتهم خلف الرئيس محمود عباس». وأكد أنه كما أن «السلام لن يتحقق دون غزة جزءاً من الدولة الفلسطينية المقبلة، فإنه لن يتحقق في ظل وجود مجموعة ترفض وجود إسرائيل وتفرض سيطرتها عن طريق العنف». واقترح نشر قوة دولية في الأراضي الفلسطينية تدعم الأجهزة الأمنية الفلسطينية عند توافر الشروط الملائمة لذلك.
بدوره، أشار عباس إلى أن قطاع غزة «اليوم يعاني حصاراً ظالماً، لا يلحق الضرر بالانقلابيين الذين تتوافر لهم أشكال الدعم المختلفة». وتوجّه إلى المؤتمر بالقول إنه من دون مواصلة هذه المعونة، ومن دون السيولة اللازمة للميزانية الفلسطينية ستكون هناك كارثة في قطاع غزة والضفة الغربية.
وأكدت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس على دعوته. وقالت إن المؤتمر هو «آخر فرصة بالفعل للحكومة كي لا تفلس». وأضافت «نحن هنا اليوم لتقديم دعمنا للسلطة الفلسطينية عبر عروض مساعدة فعلية وملموسة. لذا، أنا فخورة بأن أعلن، باسم الولايات المتحدة، مساعدة بقيمة 555 مليون دولار... بينها 150 مليوناً دعماً للموازنة».
وانتقد عباس الخطة الاستيطانية الإسرائيلية، وقال إنه «إذا كانت هناك إرادة لإقامة محادثات جادة تنهي الصراع، فكيف يمكن طرفاً أساسياً أن يواصل النشاط الاستيطاني والتوسع».
وأشار الرئيس الفلسطيني إلى بدء حكومة فياض بإعادة هيكلة أجهزة الأمن الفلسطينية وبنائها. وقال «إن ما ينقص الحكومة ليس القرار السياسي ولا الإرادة والتصميم وحسن الإدارة، بل تنقص الإمكانات أحياناً، وتوفير التسهيلات الفعلية على الأرض لتحقيق برامجها وخططها في معظم الأحيان»، مشدداً على أن «نبذ الفوضى والعنف والإرهاب» أبرز أولويات هذه الحكومة والسلطة.
وجدّد عباس حرصه على تلبية جميع الالتزامات الفلسطينية بموجب خطة خريطة الطريق. وقال «إنني أتوقع من الجانب الإسرائيلي أن يفعل ذلك بشكل متكامل ومن دون ذرائع منا أو منهم».
بدورها، كررت وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني رغبة إسرائيل في إحلال السلام ونيتها الوفاء بمتطلبات خطة «خريطة الطريق». وقالت «بالرغم من المصاعب، نحن مستعدّون للقيام بذلك وملتزمون بالوفاء بالتزاماتنا وفقاً لخريطة الطريق بما في ذلك ما يتعلق بالنشاط الاستيطاني».
وأبلغت دول عديدة والبنك الدولي إسرائيل أنها بحاجة إلى إلغاء نقاط التفتيش التي تعوق التحرك في الضفة الغربية إذا أرادت أن يكون للمعونة تأثير كبير عند الفلسطينيين.
إلا أن ليفني رفضت إزالة نقاط التفتيش متذرعة بأسباب أمنية. وقالت «لا ننوي التحكم في حياة الفلسطينيين. لا نريد أن تكون صورة إسرائيل في العقلية الفلسطينية متمثلة في جندي على نقطة للتفتيش. لكننا نعلم أن بذل قصارى الجهد من أجل تحسين نوعية الحياة معناه أيضاً بذل كل جهد لإنهاء التهديد للحياة نتيجة للإرهاب والعنف». وأضافت «في كل يوم يتعين علينا أن نبحث في الطريقة المثلى للمضي قدماً في موضوع السلام والأمن، لكن في النهاية يتفرع الأمر إلى تفاصيل».
إلى ذلك، رأت حركة «حماس» أن اقتراح الرئيس الفرنسي تشكيل قوة دولية لمساندة الأجهزة الامنية الفلسطينية «تدخّل سافر في الشأن الداخلي الفلسطيني». وقال المتحدث باسم الحركة، فوزي برهوم، «هذا الاقتراح يأتي في إطار الحرب المعلنة على الشعب الفلسطيني وعلى حركة حماس». وقال إن هذا الاقتراح «عبارة عن تحشيد جديد أقر في أنابوليس من أجل ضرب المقاومة الفلسطينية ودعم أمن المحتلّ الإسرائيلي».
من جهته، قال المتحدث باسم الحكومة المقالة، طاهر النونو، إن «الحكومة الفلسطينية تدين وتستنكر التصريحات غير المسؤولة التي ادلى بها السيد الرئيس محمود عباس في خطابه أمام مؤتمر المانحين في باريس والتي تحدث فيها عن أوصاف مرفوضة ومستهجنة تجاه الشعب الفلسطيني، وخاصة في قطاع غزة». وأشار إلى أن «الحكومة ترى أن السخاء في المال الذي برز خلال المؤتمر لبعض الدول يؤكد أن الحصار الاقتصادي على مدار المرحلة السابقة كان يهدف إلى إسقاط خيار الديموقراطية وتأليف حكومات وفق الإرادة الأميركية الإسرائيلية تتساوق مع الضغوط والمواقف الدولية في التنازل عن حقوق شعبنا الفلسطيني».