غزة ــ رائد لافي
لم يكد ينتهي احتفال «المنح الدولية» في باريس لسلطة الرئيس الفلسطيني محمود عباس في الضفة الغربية، حتى قدّمت إسرائيل «منحة» من نوع خاص لقطاع غزة، حيث ارتكبت مجزرة راح ضحيتها 13 مقاوماً

شهد قطاع غزة، خلال الساعات الـ 24 الماضية، مجزرة إسرائيلية راح ضحيتها 13 شهيداً فلسطينياً، جلّهم من «سرايا القدس»، الذراع العسكرية لحركة «الجهاد الإسلامي»، وهو ما ترافق مع إجراءات أمنية إسرائيلية خشية عملية ثأرية للمقاومة الفلسطينية.
وشنّت الطائرات الحربية الإسرائيلية ليل الاثنين الثلاثاء وظهر أمس، سلسلة من الغارات الجوية وعمليات الاغتيال، استهدفت مقاومين فلسطينيين، وموقعاً للشرطة التابعة لوزارة الداخلية في الحكومة المقالة برئاسة إسماعيل هنية.
وقتلت قوات الاحتلال الإسرائيلي عنصرين من الشرطة الفلسطينية أمس في قصف استهدف موقعاً للشرطة فوق الأراضي التي كانت تحتلها مستوطنة «موراج» سابقاً، شمال مدينة رفح، جنوب القطاع.
وقالت مصادر طبية فلسطينية إن الشهيدين هما هاني برهوم (27 عاماً)، ومحمد الشريف (22 عاماً)، مشيرةً إلى أن أربعة عناصر من الشرطة أصيبوا بجروح متفاوتة خلال عملية القصف.
وفجراً، اغتالت قوات الاحتلال أربعة من مقاومي «سرايا القدس»، بينهم القائد في شمال القطاع محمد الترامسي، بعد استهدافهم أثناء خروجهم من مسجد التوبة شمال القطاع عقب أدائهم صلاة الفجر. والشهداء الثلاثة الباقون هم: أسامة ياسين وسمير بكر وحسام أبو حبل.
وفي وقت سابق من مساء الإثنين، اغتالت قوات الاحتلال أربعة من مقاومي «سرايا القدس»، بعد قصف السيارة التي كانوا يستقلّونها في حي الزيتون شرق مدينة غزة. وقالت مصادر في «السرايا» إن الشهداء هم: مهندس وحدة الصواريخ كريم الدحدوح، والمقاومان أيمن العيلة وعمار أبو السعيد، ونائل طافش.
وكانت قوات الاحتلال الإسرائيلي قد وجهت «ضربة» قاسية لسرايا القدس، عبر اغتيال قائدها العام في القطاع ماجد الحرازين، ومساعده جميل ضاهر، وإصابة آخرين، في غارة إسرائيلية استهدفت سيارتهم شمال مدينة غزة.
وهدّدت سرايا القدس بأن «اغتيال جيش الاحتلال الشهيد الحرازين سيفتح كل الأبواب أمام استئناف العمليات الاستشهادية للرد على جرائم الاحتلال المتواصلة». وقال مسعفون إنه أثناء تشييع الحرازين في خان يونس، أطلق مسلحون أعيرة نارية في الهواء تسببت بطريق الخطأ في قطع خط كهرباء سقط على مشيعي الجنازة، الأمر الذي أدى إلى وفاة أحدهم وإصابة سبعة آخرين.
وتركزت ردود الفعل الفلسطينية بين دعوة فصائل المقاومة إلى الاستعداد لمواجهة التصعيد العسكري الإسرائيلي، ودعوة قيادة السلطة الفلسطينية، وفي مقدمها الرئيس محمود عباس، إلى وقف التفاوض مع الدولة العبرية.
وطالب القائد في «الجهاد»، خضر حبيب، «السلطة الفلسطينية بوقف المفاوضات العبثية مع دولة الاحتلال في ظل التصعيد العدواني المتواصل في الضفة الغربية وقطاع غزة»، داعياً في الوقت ذاته الفصائل إلى «التوحد خلف خيار المقاومة للرد على جرائم الاحتلال».
ودعا رئيس الوزراء المقال إسماعيل هنية «الدول العربية والإسلامية، وخصوصاً مصر، إلى التدخل العاجل لوقف المجازر المفتوحة بحق الشعب الفلسطيني».
ودانت رئاسة المجلس التشريعي، بلسان رئيس المجلس بالإنابة أحمد بحر، الجرائم الإسرائيلية المتصاعدة، معتبراً أن «ما قامت به قوات الاحتلال هو من نتائج مؤتمر أنابوليس الذي جرّم المقاومة الفلسطينية، ومن نتائج مؤتمر باريس الذي أعطى الضوء الأخضر للاحتلال باستهداف المقاومة».
وفي الضفة الغربية، دان رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض الغارات الإسرائيلية، داعياً المجتمع الدولي إلى «التدخل الفاعل لوقف هذا العدوان على أهلنا في الضفة الغربية وقطاع غزة».
في المقابل، أعرب وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك عن أمله في استمرار هذه الاغتيالات، داعياً في الوقت نفسه إلى «اتخاذ جميع الاحتياطات ضد ردّ محتمل من الجانب الآخر».
ورأت مصادر عسكرية إسرائيلية أن عمليات الاغتيال المكثفة هي المرحلة قبل الأخيرة من الهجوم العسكري الكبير على القطاع. ونقلت صحيفة «معاريف» عن مصادر قولها إن «الجيش لم ينزع القفازات بعد، ولم يحطم الأدوات». وأثنت على المعلومات «النوعية» التي وفرها «الشاباك» الإسرائيلي للجيش، والتي سمحت بتنفيذ استهداف دقيق في وقت حقيقي.
وقال المصدر إن رسالة الجيش إلى حماس هي «عدم إطلاق القذائف على المستوطنات، وإلا فإن الرد سيكون استهداف مواقع لحماس»، مضيفاً «إن الرسالة تؤتي ثمارها».
ورأت «معاريف» أن من السابق لأوانه استنتاج أن التصفيات المركزة ستكون بديلاً عن العملية العسكرية الواسعة في عمق القطاع التي لا تزال القيادة العسكرية والسياسية في إسرائيل بعيدة عن اتخاذ قرار بشأنها. لكن رغم ذلك، أشارت الصحيفة إلى أن اغتيال حرازين يشير إلى أن هذه القيادة اتخذت قراراً واضحاً برفع مستوى الأشخاص المستهدفين من الجهاد الإسلامي فقط في هذه المرحلة».
من جهته، رأى محلل الشؤون الأمنية في موقع «يديعوت أحرونوت»، رون بن يشاي، أن حملة اغتيال قادة الجهاد الإسلامي هي المرحلة ما قبل الأخيرة في سلّم ضغوط الجيش الإسرائيلي على غزة. ورأى أنه إذا فشل هذا الخيار في ردع قادة الجهاد عن إطلاق صواريخهم على المستوطنات الإسرائيلية المحيطة بغزة، وكذلك قادة حماس التي تغطي عمليات الإطلاق هذه وتسمح بها، فإن الجيش الإسرائيلي سيجد نفسه مضطراً للانتقال إلى المرحلة الأخيرة في مواجهة غزة وهي شن هجوم واسع على حركة «حماس».
وبحسب الكاتب، فإن هجوماً كهذا سيكون على مرحلتين: الأولى قصف مواقع «حماس» وتدميرها من خلال الهجمات الجوية والمدفعية، والثانية الانتقال إلى حملة اغتيالات بالجملة لقادة «حماس».