شهيرة سلّوم
«تسونامي لا يمكنك إيقافه». بهذه العبارة وصف مناصرو جاكوب زوما، أو «تزونامي»، الذي وصل إلى رئاسة حزب المؤتمر الوطني الحاكم في جنوب إفريقيا، بعد معركة انتخابية طاحنة بينه وبين الرئيس الحالي تابو مبيكي، أحضرت معها رياح تغيير وطروحات تقسيم داخل الحزب الذي شاب بعدما خاض في شبابه معركة تحرير ضد الفصل العنصري.
وبعدما شهدت الأيام الماضية مشاحنات بين مندوبي الحزب، أدت إلى تأجيل الانتخابات التي كان من المفترض أن تحصل منذ ثلاثة أيام، صوّت هؤلاء المندوبون أمس في بولوكوان للمرشح الأوفر حظاً منذ الانتخابات التمهيدية التي جرت في تشرين الثاني، رغم فضائح الفساد والسرقة والاغتصاب التي تُطارده، جاكوب زوما (65 عاماً)، الذي اكتسح الرئيس الحالي، قبل أن يخلفه في الانتخابات الرئاسية المقرّرة عام 2009، بعدما أصبح رئيس الحزب الحاكم الذي يملك القاعدة الشعبية الأساسية في البلاد.
ويمثل زوما الجناح اليساري في الحزب، وقد وجد فيه مناصروه خلاصهم من مبيكي وسياسته الاقتصادية التي اعتمدها على مدى 8 سنوات من حكمه رئيساً للبلاد، و10 سنوات رئيساً للحزب (ولايتين)، والتي أدّت، بحسب ادّعاءاتهم، إلى تهميش الفقراء ودعم الطبقات الرأسمالية من خلال محاباة الشركات الكبرى. كذلك يصفونه بأنه «غير مبال ومتجبر»، يقوم باتخاذ القرارات من دون مشاركة أعضاء الحزب. وقد قال فيه أحد المندوبين «إنه يقود كموسى».
ورغم تحذيرات قياديي الحزب، ولا سيما أولئك المؤيدين لمبيكي، للمندوبين من مخاطر وصول زوما، «غير كفء» ومستواه التعليمي متواضع، إلى سدّة الرئاسة، إلا أن مؤيدي زوما فضّلوا استحضار تكتيكات ديموقراطية جديدة داخل حزب لا يتجاوب مع مطالبهم على قاعدة أن «الوقت حان لحساب القائد».
وتُعدّ الطبقة الشابة أو «الجناح الشاب من حزب المؤتمر الوطني»، فضلاً عن النساء، من أبرز مؤيدي زوما. وقد طالبوا أمس بعدّ الأصوات يدوياً لا إلكترونيا، لأنهم يتشكّكون في إمكان التلاعب بسبب الانقسام الحاصل في الحزب. وقد تمت الاستجابة لمطلبهم.
ويقدّم زوما نفسه واحداً من أبناء الشعب، وهو مقاتل ورفيق سابق لمبيكي في الميليشيات التي كافحت من أجل القضاء على الفصل العنصري. وركّز خلال حملته الانتخابية على الحركات النقابية المنضوية جميعاً تحت لواء الحزب الحاكم، واستطاع أيضاً أن يصل إلى الجماعات الدينية والأفارقة البيض وطبقة رجال الأعمال في الأسابيع الأخيرة، بعدما تعهّد بعدم إحداث تغيير جذري في جدول الأعمال الاقتصادي، مطمئناً الرأسمال المحلي والأجنبي. كما رأى أن مكافحة مرض نقص المناعة المكتسبة «الإيدز» والجريمة ضمن القضايا الوطنية «الطارئة»، متحدياً مبيكي الذي استبعدها من أولوياته.
ولإيجاد ثغرة في السياسة الخارجية لمبيكي، انتقد زوما دبلوماسيته الهادئة، وخصوصاً في تعامله مع ملف رئيس زيمبابوي روبرت موغابي المتهم بتقييد الديموقراطية وتدمير اقتصاد بلاده وتعريض الأمن الإقليمي للخطر.
في ظل الانقسام داخل الحزب الحاكم، الذي كشفت النقاب عنه هذه المعركة الانتخابية، كان الأكثر انزعاجاً، القائد السابق نيلسون مانديلا، الذي رافقه كل من مبيكي وزوما على مدى عقود لتحرير البلاد من الفصل العنصري. ويتخوّف مانديلا من أن يؤول الأمر إلى صرف النظر عن القضايا الساخنة في البلاد مثل انتشار الإيدز واستفحال الجريمة واستمرار الفقر بين الملايين من السود.