بغداد ــ زيد الزبيدي
مؤتمر موسَّع في إيطاليا يتبنّى حلّ «المدينة للجميع»... وشبه إجماع على نعي الاستفتاء


بينما تصاعدت الدعوات لتدخّل دولي في حلّ مسألة كركوك، أوصى مؤتمر عُقد في إيطاليا أخيراً، شارك فيه عدد من النوّاب والسياسيّين العراقيّين بأن يكون حلّ قضيّة كركوك «عراقيّاً ومرضياً لجميع الأطراف».
ويبدو أنّ زيارة وزيرة الخارجيّة الأميركيّة كوندوليزا رايس إلى المدينة الأسبوع الماضي، أعادت أجواء «التدويل» ومطالب أن تكون المدينة مفتوحة لجميع القوميات والمذاهب، لا ملحقة بإقليم معيّن، بحسب ما يطالب به أكراد العراق.
وفي هذا السياق، حاولت كلّ الأطراف المعنيّة بمصير كركوك، الأكراد والعرب والتركمان، تجيير مواقف رايس لمصلحة خطابه. فعلى سبيل المثال، قال النائب التركماني عن «الائتلاف العراقي الموحّد»، عباس البياتي، إنّ الزيارة تكتسب أهمية فائقة من حيث الزمان والمرحلة التاريخية التي تمرّ بها مشكلة كركوك، حيث «وضعت على نار ساخنة»، وحرّكت الدوائر الدولية للبحث عن حلّ عادل ومتوازن لها. وأشار البياتي إلى تعاظم الاهتمام وزيادة الإحساس بمشكلة كركوك وأبعادها الدوليّة ومدى تأثيرها على الأمن والسلم في المنطقة وعلى الاستقرار في العراق وعلى تقدّم وتطوّر العملية السياسية و«التجربة الديموقراطيّة» في هذا البلد وعلى نجاح جهود المصالحة الوطنية.
وكشف البياتي أنّ رايس حملت رسالة واضحة للقادة والزعماء العراقيّين مفادها أن أميركا «ستكون الطرف الرئيسي في البحث عن حلّ لهذه المشكلة ولن تترك كركوك للتجاذبات السياسية والنزاعات القومية»، وأنّ تأكيد رايس على ضرورة تجاوز «الادعاءات التاريخيّة» (التي يكرّرها الأكراد لتبرير ضمّها إلى إقليم كردستان)، ناجم عن «الواقعية التي تمتاز بها السياسة الأميركية» في التعاطي مع الأزمات والمشاكل والنزاعات الدوليّة.
وكان لافتاًَ ما أعلنه النائب نفسه من أنّ رايس أرادت أن تحرّك الحلول الواقعيّة لكركوك، مؤكّدة لهم بأنهم «أبناء اليوم» وعليهم أن يحلّوا مشاكل الإعمار في المدينة بدلاً عن البحث في الوثائق والأوراق والمستندات لدعم التوجهات والمطالب، وأنّ اللجوء إلى التاريخ سيعقّد الأمر أكثر من أن يحلّها.
من جهة أخرى، رأى رئيس «التحالف الدولي من أجل العدالة»، بختيار أمين، منظّم المؤتمر العراقي الذي عُقد في إيطاليا بالاشتراك مع منظّمة «لا سلام من دون عدالة»، إنّ المؤتمر الذي شاركت فيه أكثر من 40 شخصية سياسية، «خرج بتوصيات عديدة، منها أنّ وجود التنوّعات العرقيّة والدينيّة والمذهبية والفكرية في العراق يخلق ضرورة الإيمان بها واحترامها، وأن إدارة كركوك يجب أن تكون مشتركة بين القوميّات العربيّة والكرديّة والتركمانيّة والكلدوآشوريّة من منطلق المواطنة والولاء للعراق في ظل نظام ديموقراطي اتحادي موحّد».
وكان المؤتمر، الذي اختتم أعماله في مدينة البندقيّة الإيطالية أوّل من أمس بمشاركة ممثّلين للكتل السياسية الرئيسية، قد حمل عنوان «مدن التنوع ـــــ المدن المختلطة والمناطق المتنازع عليها ـــــ مقاربات محلية لديموقراطية فدرالية».
إلى ذلك، أكّد المتحدّث باسم «جبهة التوافق العراقيّة»، سليم عبد الله الجبوري، أنّ قضية كركوك تهمّ العراقيين جميعاً ولا تخصّ جهة معينة وحدها. وقال «إن حلّ قضيّة كركوك ينبغي أن يكون وطنيّاً شاملاً يأخذ بنظر الاعتبار الواقع والتعايش في المدينة، والذي قد يتجاوز النصوص الدستورية نحو المصلحة الوطنية»، في تلميح إلى تجاوز أحكام ومواعيد المادّة 140 من الدستور التي تنص على الاستفتاء على المدينة. ورأى أنّه «ليس من الضروري التمسّك بالنص الدستوري في حلّ هذه القضية بل النظر إلى روح النص».
وأضاف الجبوري «إنّنا نعتقد أنْ لا قيمة لكركوك إن هي أصبحت كردية من دون أن يكون هناك استقرار فيها، ولا قيمة لها إن أصبحت عربية أو تركمانيّة من دون ترسيخ الأمن والاستقرار فيها، لذا نحن ندرك جيداً أنّ كركوك ينبغي أن تكون منطقة للتعايش بين جميع أطياف الشعب العراقي».
من جهته، أعرب النائب ومستشار رئيس الوزراء نوري المالكي، حسن السنيد، عن إصراره على أن يشمل حلّ مشكلة كركوك جميع مكوّناتها وألّا يكون خاصاً لطائفة واحدة. ورأى أيضاً أنّ المادة 140 يمكن تمديدها إلى فترة مقبلة باعتبار أنها «ليست مشروعاً يحتّم علينا الرجوع إلى الأطر الدستورية، أي عبر التصويت من مجلس النواب أو الاستفتاء الشعبي».
غير أنّ «الجبهة العراقية للحوار الوطني» كانت أكثر تشاؤماً من حيث النظرة إلى مصير المادّة والاستفتاء، إذ رأى المتحدّث باسمها حيدر الملا أنّ المادّة الدستورية، «هي بحكم المنتهية، باعتبار أن وقتها الزمني ينتهي في الحادي والثلاثين من الشهر الجاري، وبالتالي لا يمكن تعديلها أو تبديلها إلا من خلال الأطر الدستورية».