باريس ــ بسّام الطيارة
هل كان الرئيس الفرنسي يهدف إلى تمرير رسائل ليونة إلى إيران خلال مقابلاته الصحافية، التي أثارت جدلاً دولياً، أم إن الأمر لا يتعدى «زلة لسان»، ولا سيما أن الرئيس الفرنسي أبدى قبولاً ضمنياً بامتلاك طهران قنبلة نووية واحدة


أثارت تصريحات الرئيس الفرنسي في شأن الملف النووي الإيراني جدلاً محلياً ودولياً بعد اضطرار الاليزيه الى إصدار توضيحات عديدة، ولجوء جاك شيراك نفسه الى استدعاء الصحافيين الذين أجروا المقابلة معه مرة ثانية لتوضيح موقفه.
فقد أعطى الرئيس الفرنسي، بمناسبة قمة البيئة المعقودة في باريس، مقابلة في ٢٩ كانون الثاني لثلاث وسائل إعلام عالمية، إلا أن الحوار سرعان ما حاد عن الموضوع الأساسي، الذي كان من المفترض أن يكون عن البيئة، ليصب في خانة الهواجس الإيرانية.
ويبدو أن رسالة الرئيس الفرنسي أخذت أكثر من تفسير، ما دفعه إلى استدعاء الوسائل الإعلامية الثلاث على عجل في اليوم التالي، «ليعيد توضيح» ما أراد قوله في المقابلة الأولى، قبل أن يصدر بيان عن قصر الرئاسة الأربعاء، لتوضيح الموقف مرة أخرى.
ورغم أن البيئة كانت محور المقابلات الثلاث، إلّا أن شيراك سرعان ما انتقل في حديثه إلى إيران، حيث علمت «الأخبار» أن المتحدث الرسمي باسم الإليزيه، جيروم بونافون، الذي كان حاضراً في المقابلة الأولى، حث الرئيس مرات للعودة إلى الحديث عن البيئة.
فما الذي حصل حتى اضطّر شيراك إلى استدعاء الصحافيين لمقابلة ثانية، ثم إصدار بيان ينفي بعض ما ورد في المقابلة الأولى، وليوضح الثانية؟.
يرى المراقبون أن شيراك متأكد من أن واشنطن ذاهبة نحو ضربة لإيران شبيهة بالضربة التي وجهها حلف شمال الأطلسي إلى يوغوسلافيا عام 1994. وفي هذا الإطار، حاول، في المقابلة الأولى، «جمع النار مع الماء»، ملوّحاً ببعض الانفتاح لطهران، في مقابل تشدّد تجاه واشنطن.
وبحسب بعض المصادر، فإنه بعد إجراء المقابلة ارتفعت موجة التوتر في الإليزيه، عندما درس الخبراء أقوال الرئيس «وقاسوا الأبعاد التي يمكن أن تأخذها»، وخصوصاً أن مجلة «لونوفيل أوبسرفاتور» نشرت مقتطفات منها على موقعها الإلكتروني، وسارع العديد من السياسيين، وخصوصاً الاشتراكيين، الى طلب توضيح رسمي لما قاله شيراك، معتبرين أنه أعلن قبوله امتلاك إيران «قنبلة نووية واحدة أو اثنتين»، عندما قال «لا تمثّل خطراً كبيراً واقعة امتلاك (إيران) لقنبلة نووية، وربما لواحدة أخرى في وقت لاحق..الخطر الكبير هو في انتشار» السلاح النووي في المنطقة على قاعدة أن ذلك سيشجع دولاً أخرى على أن تحذو حذو طهران.
وقد أوضح شيراك، في المقابلة الثانية، ما أراده في المقابلة الأولى، بالقول «لقد قلت عندما نفكر في إيران، نتساءل لماذا تريد قنبلة نووية إذا كانت حقاً تهدف إلى ذلك؟ لأنه بمجرد أن تُطلق هذه القنبلة ستدمّر مباشرة»، مضيفاً إن القوى الغربية لديها تجهيزات كثيرة لـ«مراقبة إطلاق القنبلة والصواريخ التي تحملها وتدميرها، وبالتالي لا نعرف ما هي مصلحة إيران في إطلاق قنبلة».
وقد رأى البعض في هذه دعوة إلى إيران للاكتفاء بقنبلة واحدة، لتثبيت حجمها الإقليمي، وخصوصاً أن شيراك تابع شرحه التصحيحي بالحديث عن «الانعكاسات المترتبة على إيران، إذا أطلقت قنبلة».
ورغم أن شيراك أوضح مرات، خلال المقابلة الثانية، أنه كان يرى أن ما قاله في المرة الأولى «غير قابل للنشر»، فإن ذلك لم يقنع الشارع السياسي الفرنسي.
بدوره، قلّل البيت الأبيض أمس من شأن تصريحات شيراك. ورأى المتحدث باسمه طوني سنو أن الرئيس الفرنسي «تراجع وأوضح كلامه»، مضيفاً إن موقف الغرب من إيران «واضح؛ وهو أنه يُفترض ألّا تمتلك طهران أي سلاح نووي».