علي حيدر
التقسيم العمليّاتي للجنوب خلال العدوان ألغى تداخل الصلاحيّات والمسؤوليّات

كشفت صحيفة «هآرتس» أمس أن أسباب «الفشل المدوي» للجيش الإسرائيلي في تدمير منظومة صواريخ الكاتيوشا القصيرة المدى الخاصة بحزب الله تعود إلى المعلومات الاستخبارية القليلة، بالإضافة إلى التعقيدات العملياتية الناتجة من التقسيمات التي اعتمدتها قيادة جيش الاحتلال لمناطق القتال.
واستناداً إلى إفادات ووقائع وتحقيقات عُرضت غالبيتها أمام لجنة فينوغراد، فإن هذا الفشل يعود، بحسب الصحيفة، إلى «الإهمال الاستخباري المتواصل والخلل في التنسيق بين قيادة الجبهة الشمالية». ونقلت عن مصدر أمني رفيع المستوى قوله إن «الحديث يدور هنا عن إهمال هيكلي كبير ومتواصل»، مضيفاً أن ما جرى كان «إخفاقاً عميقاً في معالجة صواريخ الكاتيوشا القصيرة المدى، ولا توجد طريقة أخرى لوصف ذلك».
وكان عدد من قادة الجيش، بينهم رئيس الأركان السابق دان حالوتس، قد اعترفوا في مناسبات عديدة بأن «الجيش الإسرائيلي لم ينفذ المهمة الملقاة على عاتقه بإزالة تهديد صواريخ الكاتيوشا على شمال إسرائيل وأن حقيقة إطلاق نحو 200 صاروخ كاتيوشا على شمال إسرائيل في اليوم الأخير للحرب هي واحدة من أكثر الإخفاقات مرارة خلالها».
وذكرت «هآرتس» أن حالوتس كان قد قسّم، مع بدء الحرب في 12 تموز الماضي، المسؤولية في «ساحات المعركة» بين قيادة الجبهة الشمالية، التي تولت مسؤولية شن عمليات عسكرية في المنطقة الواقعة بين الحدود الإسرائيلية اللبنانية ونهر الليطاني في جنوب لبنان، فيما تولى سلاح الجو مسؤولية تنفيذ غارات في المنطقة الواقعة شمالي الليطاني على أن تشرف هيئة الأركان العامة عليهما.
ووُسم الخط الفاصل بين المنطقتين، اللتين تخضع كل منهما لصلاحية جهة من الجهتين، باللون الأصفر (الخط الأصفر)، لكن الصحيفة اضافت أنه بعد اندلاع الحرب، أجرت هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي تقسيماً آخر. وبدأ يظهر على الخرائط العسكرية الإسرائيلية خط أصفر عرضي قسّم المنطقة الواقعة بين الحدود والليطاني إلى قسمين فرعيين. كما غُيِّر مسار «الخط الأصفر» مرات عديدة خلال الحرب، وفي معظمها كان مساره على بعد 6 إلى 7 كيلومترات عن الحدود الإسرائيلية اللبنانية.
كما تقرر تغيير صلاحيات إطلاق النار من الجو في كلتا المنطقتين الفرعيتين بحيث تكون في المنطقة الواقعة بين الحدود و«الخط الأصفر» ضمن صلاحية قيادة الجبهة الشمالية، وشمال الخط ضمن صلاحية سلاح الجو.
ويعني ذلك، بحسب الصحيفة، أن الجيش الإسرائيلي «كسر مبدأً مركزياً وألغى التداخل بين الصلاحيات والمسؤوليات؛ فالقيادة الشمالية مسؤولة عن القتال من الحدود حتى الليطاني، ولكن من أجل استخدام المروحيات والطائرات الهجومية في القطاع الواقع بين الخط الأصفر والليطاني، ينبغي أن تطلب ذلك من مركز السيطرة لسلاح الجو في تل أبيب، الذي كان بطبيعة الحال لديه الكثير من المشاغل المتعبة في القطاع الذي يقع تحت مسؤوليته التامة، بدء من شمال الليطاني. وهكذا، فقد كان استخدام نيران سلاح الجو في القطاع الواقع بين الخط الأصفر ونهر الليطاني يقع في مرتبة متدنية ضمن سلم أولوياته».
ورأى خبراء عسكريون إسرائيليون أن الخطأ المركزي الذي وقعت فيه قيادة الجيش الإسرائيلي أثناء الحرب هو امتناعها عن اتخاذ قرار بتنفيذ عمليات عسكرية برية في عمق جنوب لبنان والاعتماد المبالغ فيه على غارات سلاح الجو.
إضافة إلى ذلك، فإن سلاح الطيران ركّز اهتمامه، بحسب الصحيفة، على تنفيذ غارات في المناطق الواقعة شمال الليطاني وأولى اهتماماً أقل بتنفيذ غارات في المنطقة الواقعة بين «الخط الأصفر» والليطاني، والتي أصبحت عملياً خارج نطاق العمليات العسكرية البرية والجوية، علماً بأن حزب الله أطلق أغلبية صواريخ الكاتيوشا باتجاه شمال إسرائيل من هذه المنطقة.
وقال كبار ضباط الجبهة الشمالية، وبينهم قائد الجبهة اللواء أودي آدم، الذي استقال فور انتهاء الحرب، أمام لجنة فينوغراد، إن قدرتهم على تدمير الكاتيوشا كانت ضئيلة على أثر القيود التي فُرضت عليهم بعد التقسيم الفرعي للمنطقة الواقعة بين الحدود والليطاني.
وذكرت الصحيفة أن ضباطاً في هيئة الأركان العامة ادعوا أن الهيئة مارست ضغوطاً على قيادة الجبهة الشمالية لتوحيد الخطين، أي الليطاني و«الخط الأصفر»، بشكل تكون كل هذه المنطقة ضمن صلاحيات قيادة الجبهة الشمالية. غير أنهم أضافوا أن القيادة أظهرت تراخياً واشترطت لذلك نقل وسائل مختلفة إليها، وهو ما قوض عملياً معالجة صواريخ الكاتيوشا. ولم تتعامل القيادة مع ما يجري شمال الخط الأصفر لكونه جزءاً من مسؤوليتها طوال فترة بارزة من الحرب.