strong>اتخذت زيارة الرئيس السوري بشار الاسد الى ايران أهمية استثنائية، من حيث التوقيت السياسي، في ظل تزاحم الملفات وتطور الأحداث في المنطقة، في وقت ترى فيه دمشق وطهران أن كلاًّ منهما تشكّل «عمقاً استراتيجياً» للثانية، وأنهما تواجهان خصماً مشتركاً هو واشنطن
لم يغفل الرئيس السوري بشار الأسد مناقشة أي مسألة مع القيادة الايرانية، خلال زيارته الرسمية التي استمرت يومين لطهران، حيث شملت محادثاته التهديدات المشتركة والاوضاع في لبنان والعراق وفلسطين وأفغانستان، مع التأكيد أن «الخاسر الرئيسي في المنطقة، ستكون جبهة الاستكبار المتغطرسة بزعامة أميركا ومناصريها».
ونقلت وكالة الأنباء الايرانية «مهر» عن الأسد قوله، في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الإيراني محمود أحمدي نجاد، إن «الجمهورية الإسلامية الإيرانية وسوريا أحبطتا حتى الآن الكثير من المخططات السياسية التي كانت تستهدفهما»، مشيراً الى أن «التطورات أثبتت صواب رؤى كل من إيران وسوريا».
وأضاف الأسد أن «الأعداء يبغون تشتيت الصف الإسلامي العربي الموحد، وسلب المسلمين هويتهم وحضارتهم وتراثهم العريق»، موضحاً أن «العدو يريد سوق الشعوب الإسلامية والعربية نحو هدف محدد يقوم على أساس بث الفرقة، وأخذها بعيداً عن أهدافها، من خلال الإيقاع بينها».
بدوره، قال نجاد إنه «على مدى ما يقرب من ثلاثة عقود، والبلدان والشعبان الإيراني والسوري يقفان في خندق واحد، وبوجهات نظر مشتركة حيال غالبية القضايا الإقليمية والدولية»، واصفاً العلاقة بين البلدين بـ«الأخوية».
ورأى الرئيس الايراني أن لكلا البلدين «دوراً مهماً وحضوراً قوياً وفاعلاً يمكن أن يغيّر المعادلات في المنطقة».
وأعلن نجاد دعم دمشق وطهران «الجهود التي تبذلها الفصائل والحكومة الفلسطينية، من أجل تعزيز الوحدة الوطنية واستمرار المقاومة، حتى تحقيق كل الأهداف المنشودة، وكذلك حق الشعب اللبناني والمقاومة في هذا البلد في إقامة الحكومة التي يرغب فيها، ومواجهته لمؤامرات الأعداء»، مضيفاً أن «أعداء شعوب المنطقة والأمة الإسلامية والبلدان العربية، الذين يئسوا من السيطرة على المنطقة، أخذوا اليوم يعدّون الجيوش، ويطرحون الخطط المشبوهة، من أجل زرع الفتنة والاختلاف بين هذه الشعوب».
وأشار نجاد إلى «أهمية إجراء مثل هذه المشاورات، من أجل تنسيق المواقف في مواجهة مؤامرات الأعداء»، موضحاً أن «الظروف الحالية، التي تمرّ بها فلسطين ولبنان وأفغانستان والعراق، تستدعي منا التشاور أكثر من أي وقت مضى».
بدوره، قال المرشد الاعلى للجمهورية الايرانية آية الله علي خامنئي، إن «علاقات ايران وسوريا استراتيجية، ويشكّل كل منهما عمقاً استراتيجياً للآخر»، معتبراً، خلال استقباله الرئيس السوري، أن «الخاسر الأوحد في هذه المواجهة هو جبهة الاستكبار، بزعامة اميركا، وحلفاؤها في المنطقة».
وحذّر خامنئي من «محاولات الأعداء إثارة حرب مذهبية في العراق ولبنان»، موضحاً أن أهداف الولايات المتحدة في العراق «لم تتحقق إطلاقاً».
وأشاد خامنئي بالدور السوري في «التقريب بين الفصائل الفلسطينية، والحيلولة دون استمرار الاقتتال الداخلي».
من جانبه، أشار الأسد الى «السياسات الاميركية الشريرة في المنطقة، والهادفة الى تثبيط العزائم والمعنويات وروح الصمود والمقاومة، لدى شعوب المنطقة ودولها».
والتقى الاسد وزير الخارجية الايراني منوشهر متكي، وأشار الى «تطابق» وجهات نظر دمشق وطهران إزاء القضايا في العراق وفلسطين ولبنان.
بدوره، شدد متكي على ضرورة استمرار المشاورات الثنائية في مختلف المجالات، واصفاً التشاور بين كبار المسؤولين في كلا البلدين إزاء القضايا الإقليمية والدولية بـ«المهم للغاية».
وشدد متكي على أن استمرار المشاورات بين إيران وسوريا يؤدي «دوراً مهماً للغاية في إرساء الأمن والاستقرار في ربوع العراق والمنطقة»، مشيراً إلى أن «مواصلة مقاومة الشعبين اللبناني والفلسطيني كانت بنّاءة للغاية، من أجل احتواء الأزمة الراهنة» في هذين البلدين.
ونقلت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (ارنا) عن الاسد ونجاد، في بيان مشترك صدر في ختام الزيارة، تشديدهما على «الحق المؤكد وغير القابل للإنكار» للدول في الاستخدام السلمي للطاقة النووية، ودعوتهما الى «مناقشة النشاطات النووية الإيرانية السلمية داخل أروقة الوكالة الدولية للطاقة الذرية».
وأعرب الجانبان عن اعتقادهما بأن هذا الموضوع «يجب أن يحلّ بالوسائل الدبلوماسية وعن طريق المحادثات، من دون ‌أي شروط مسبقة»، مشددين على «ضرورة إيجاد شرق أوسط خال من أسلحه الدمار الشامل».
ولفت الطرفان «انتباه الأسرة الدولية إلى التهديد الذي تمثله أسلحة الكيان الصهيوني النووية».
وأكد البيان على «حق الشعب السوري في استعادة أراضيه في الجولان المحتل، حتى خط الرابع من حزيران 1967».
وفي الملف اللبناني، دعا الرئيسان الى «ترسيخ الوحدة والوفاق الوطني»، وأعلنا «دعمهما لما يتفق عليه جميع اللبنانيين، بما يكفل أمن هذا البلد واستقراره ووحدته».
وأكد الجانبان دعمهما لـ«حق الشعب اللبناني في مقاومة اعتداء‌ات الكيان الصهيوني، واستعادة سائر أراضيه المحتلة»، وطالبا المجتمع الدولي بـ«وضع حد لهذه الاعتداء‌ات».
وفي ما يخص الملف الفلسطيني، رحّب الرئيسان باتفاق مكة بين حركتي «فتح» و«حماس»، وأعلنا دعمهما لحق عودة الفلسطينيين، و«تأسيس دولتهم المستقلة على أرض فلسطين».
وندّدا بإجراء‌ات «الكيان الصهيوني في تدنيس المسجد الأقصى وتهديده، وتهديم جزء من معالمه التاريخية، بهدف طمس هويته الإسلامية والتاريخية».
وتطرّق البيان إلى المسألة العراقية، فأعرب الرئيسان عن دعمهما للحكومة العراقية و«سيادة العراق ووحدة أراضيه واستقلاله، بحيث يشمل ذلك انسحاب قوات الاحتلال من العراق، والحفاظ على هويته العربية والإسلامية».
وناشد الجانبان قادة العالم الإسلامي مواجهة المحاولات «المثيرة للفتنة، التي تستهدف الأمة الإسلامية جمعاء»، مطالباً بـ«توحيد الجهود للتصدي للأخطار المحدقة بالعالم الإسلامي».
وغادر الاسد طهران بعد ظهر أمس عائداً إلى بلاده، وكان في وداعه في المطار نظيره الإيراني.
يُشار إلى أن الأسد وصل إلى طهران أول من أمس، على رأس وفد رسمي يضم نائبه فاروق الشرع ووزير الخارجية وليد المعلم، في زيارة هي الثانية له الى إيران منذ انتخاب نجاد العام الماضي رئيساً. وشملت لقاءات الاسد في طهران اجراء محادثات مع رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام علي أكبر هاشمي رفسنجاني، اذ رأى الرئيس السوري أن «زرع الشقاق والنزاع بين الشيعة والسنة في العراق ولبنان هو الورقة الوحيدة التي تملكها اميركا وحلفاؤها».
والتقى الاسد أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الايراني علي لاريجاني.
(الأخبار، سانا، مهر، ارنا، يو بي آي، رويترز، أ ف ب)