موسكو ـ حبيب فوعاني
لا يستبعد المراقبون أن يتحوّل هدف الحملة العسكرية الأميركيّة الجديدة من المواقع الاستراتيجية الإيرانية إلى جزء من أراضي حليف واشنطن في جنوب آسيا، باكستان. إذ بموازاة نشر التسريبات الإعلامية، المستندة دوماً إلى مصادر دبلوماسية أميركية، تذكّرت الصحافة الغربية فجأة تنظيم «القاعدة»، واكتشفت خليّةً «إرهابيّةً» في مقاطعة وزيرستان (شمال باكستان)، وبدأت «هجمةً إعلاميةً» أخرى لتسليط الأضواء على نشاط أسامة بن لادن في تلك المنطقة.
ويمكن تفسير هذه «الهجمة»، من جهة بأنها محاولة من الإدارة الأميركية للعثور على هدف عسكري آخر ملائم، لا يثير غضب الرأي العام الأميركي. و«القاعدة»، بعكس إيران، تمثّل هدفاً مشروعاً بنظر الشعب الأميركي. ومن جهة أخرى، يمكن تبرير بدء الحملة العسكرية المرتقبة «مساندةً» لنظام الرئيس الباكستاني برويز مشرف المتذبذب، لأنّ فقدان حليف هام مثل مشرّف أو حتى إضعافه، يُعَد ضربةً أكثر إيلاماً للولايات المتحدة من التهديد النووي الإيراني، الذي لا يزال في دائرة الفرضيات.
وتحدّثت صحيفة «كورييرا دي لا سييرا» الإيطالية «بقلق» عن الخطر الجدّي الحائم حول مشرف، الذي يقوم جهاز مخابراته (ISI) بأداء دور مزدوج، حيث يُشعل النار ثم يُطفئها في البلاد، من خلال السياسات المزدوجة مع «المقاتلين» في وزيرستان والمخابرات الأميركيّة.
وقد بدا غربياً جداً الخفض الحاد في نبرة تصريحات واشنطن ضد طهران، حيث توالت الخطب الرسميّة المشدّدة على نيّة «الاستمرار بمحاولة إقناع إيران حلّ المشكلة النووية بالطرق الدبلوماسيّة فقط»، في سياق انهمار سيل التأكيدات الصحافية الغربيّة حول قيام وزارة الدفاع الأميركيّة (البنتاغون) بتحديد أهدافها المحتملة في إيران. وفجأةً برز الاهتمام بالوضع في شمال باكستان وأُعيد بعث «فزّاعة» بن لادن هناك.
وعلى حين غرّة، كشفت مصادر في الأجهزة الأمنيّة الأميركية لصحيفة «نيويورك تايمز» أن زعماء «القاعدة» استعادوا السيطرة على وزيرستان، وأنشأوا هناك معسكرات مصغّرة لتدريب العرب والأوزبك، ما يطرح تناقضاً مع تأكيدات البيت الأبيض السابقة أن بن لادن ومساعده أيمن الظواهري قد عُزِلا عن القوى الأساسية لمجموعتهما الإرهابية.
وأوضحت هذه المصادر أنّ الاتفاق، الذي أُبرم في 5 أيلول الماضي بين مشرف وزعماء القبائل في وزيرستان، كان هدية لبن لادن، الذي استطاع بكل هدوء وطمأنينة إعادة إنشاء بنيته التحتية القتالية، حيث تفيد مصادر أميركيّة عسكريّة بأنّ مستوى التدريبات وحجمها هناك يتميّزان عن تلك التي يتلقّاها مجنّدو «طالبان» وعناصر «عسكر طيبة» و«جيش محمد» في أفغانستان.
ويعزو هؤلاء هذا التميّز إلى إعداد بن لادن عناصره لعمليّات جديدة في أوروبا والغرب، موضحةً أنّه إذا كانت قد ظهرت «دولة إسلامية» في العراق، فإنّ الحدود الباكستانيّة ــــــ الأفغانيّة شهدت ولادة «إمارة إسلامية».
وفي السياق، تؤكد هذه المعلومات، بشكل غير مباشر، مباحثات جرت بين ممثّلي الأجهزة الباكستانية ومنسّق عمليّات مكافحة الإرهاب في الاتحاد الأوروبي غيس دي فريز، بداية الشهر الجاري في إسلام آباد، حيث نوقشت قضايا مكافحة «المتطرّفين الإسلاميين»، الذين يأتون إلى أوروبا من «أرياف باكستان»، وضرورة تبادل المعلومات عنهم بين الأجهزة الأمنية للجانبين.
وبحسب الخبراء الروس، يمكن أن يصبح كلّ ذلك شاهداً على تغيّر الأولويات العسكريّة الخارجيّة للسياسة الأميركية.