غزة ــ رائد لافي
سجّلت أسعار السجائر والتنباك في الأراضي الفلسطينية، وخصوصاً في قطاع غزة، ارتفاعاً هائلاً ومطّرداً خلال الأشهر الأربعة الماضية من سيطرة حركة «حماس» على القطاع في 14 حزيران الماضي، وسط استياء شعبي عارم في مجتمع معظم أفراده من المدخنين


فيما نجح عدد من المدخنين في الإقلاع، ولو مؤقتاً، عن التدخين، اضطر آخرون إلى مواصلة التدخين بلجوئهم إلى شراء سجائر بـ«المفرّق»، حيث بلغ سعر السيجارة الواحدة من الأنواع المتدنية نحو شيكل ونصف (الدولار يساوي 4 شواكل).
وقفز سعر علبة السجائر من نوع «مارلبورو»، المصنوعة في مصر، إلى نحو 30 شيكلاً (أكثر من 7 دولارات) في غضون الأيام الأخيرة، فيما بلغ سعر أرخص أنواع السجائر، وهي من نوع «جمال»، التي تنتجها شركة القدس المحلية، نحو 23 شيكلاً.
وفي أوضاع طبيعية سابقة، يتراوح سعر علبة السجائر الأجنبية المصنّعة في مصر بين 4 وعشرة شواكل. أما السجائر الأجنبية المستوردة عبر وكلاء فلسطينيين، فيبلغ سعر أرخصها نحو عشرة شواكل وأغلاها 15 شيكلاً.
ووصل سعر علبة معسّل النرجيلة من صنع محلي إلى 25 شيكلاً، فيما قفز سعر نظيرتها المصرية، إذا وُجدت، إلى 50 شيكلاً، علماً بأن ثمنها المسجّل على العلبة هو 350 قرشاً، أي أقل من ثلاثة شواكل بقليل.
وفي ظل هذه الأزمة، بات من الترف أن يبحث المدخِّن عن الصنف المفضل من السجائر التي اعتاد تدخينها، وأصبح لزاماً عليه التعاطي مع الموجود. وفي جناح خاص ببائعي السجائر المصرية المهرّبة، في ميدان فلسطين وسط مدينة غزة، جال عشرات المواطنين، من دون أن يشتري معظمهم، فيما اكتفى آخرون بشراء سيجارة أو اثنتين، وإشعال إحداهما لدى البائع قبل المغادرة.
وجلس عشرات التجار من الشبان الصغار السن، وأحياناً الفتية، خلف «بسطات» اصطفت فوقها عشرات «كروزات» السجائر من مختلف الأصناف والأنواع، كلها من صنع مصري هُرِّبت عبر أنفاق تحت الشريط الحدودي الفاصل بين مدينتي رفح الفلسطينية والمصرية.
وفي سبيل الحصول على سيجارتهم المفضلة، وبالسعر المطلوب، لجأ كثير من الصحافيين أو العاملين في منظمات أهلية، وغيرهم، إلى زملائهم من الصحافيين الأجانب لجلب السجائر من مدينة رام الله. ولجأ آخرون إلى بعض الدبلوماسيين والسفراء والعاملين في السفارات والقنصليات الأجنبية كي يحملوا لهم ما استطاعوا من علب السجائر وأشياء أخرى غير متوافرة في القطاع.
ويقول تجار ومدخّنون إن هناك أسباباً عديدة لارتفاع أسعار السجائر، منها أن الحكومة المُقالة، برئاسة إسماعيل هنية، تفرض رسوماً مرتفعة على السجائر المستوردة والمهرّبة من مصر على حد سواء.
وبحسب مصادر رسمية في الحكومة المُقالة، فإن الحكومة تفرض نحو سبعة شواكل ونصف على كل علبة سجائر، علماً بأن السواد الأعظم من قادة حركة «حماس» وكوادرها لا يدخّنون، استناداً إلى فتوى شرعية تحرّم التدخين.
وقال تجار إن «امتناع الشركات المقيمة في رام الله، والتي تستورد السجائر بأنواعها، عن تصديرها إلى القطاع بسبب الرسوم والجمارك، يعدّ سبباً رئيساً في ارتفاع الأسعار، إضافة إلى عدم سماح سلطات الاحتلال بدخول السجائر إلى القطاع».
واستغل كبار التجار الواقع المرير في غزة، وغياب الاهتمام والرقابة من جانب حكومة «حماس»، فتلاعبوا بالأسعار لتحقيق أكبر هامش من الربح، ما أدى إلى الارتفاع الجنوني في الأسعار الذي لم يقتصر على السجائر.
وفي ظلّ هذه التجارة المربحة، بات التبغ الهدف الأول للتهريب عبر الأنفاق في مدينة رفح. ويقول أحد المهرّبين، لوكالة «فرانس برس»، إن «الأسلحة لم تعد تستحق عناء جلبها. الطلب الآن أكثر على السجائر وحبوب الفياغرا».
وفي النفق الذي يصل طوله إلى 700 متر، بارتفاع متر وعرض متر تقريباً، يتعين في هذا الجو الخانق السير على الركبتين أو الزحف مع الاسترشاد بضوء لمبات صفراء صغيرة تفصل بين كل منها عشرة أمتار.
وتوضع البضائع المهرّبة في غالونات بلاستيكية، وترسل من خلال «كابل» يعمل بمولد كهربائي. ويقوم بملء هذه الغالونات في الجانب المصري «معارف» يتولّون تلبية طلبات المهرّبين الذين يُبلغونهم بها هاتفياً.
ويقول أحد هؤلاء الرجال: «بالنسبة إلى السجائر، الأمر شديد الصعوبة، وحماس تعلم كل شيء وتحظّر تهريبها الذي يتم عبر أنفاق سرّية جداً. ويؤكد مهرّب آخر في المدينة أن «لا شيء يحقق ربحاً الآن أكثر من الدخّان. فالأسلحة انتهى أمرها».
ولم تكن الضفة الغربية بمنأى عن الأزمة، وإن بأشكال أخرى، لكونها لا تعاني الحصار. ويؤكد المزارع يوسف العطاطرة (68 عاماً) لـ«فرانس برس»، وهو يتفقد أوراق التبغ الجافة التي يميل لونها إلى الذهبي في أرضه ببلدة يعبد، إن الأوضاع الاقتصادية السيّئة أدت إلى رواج استخدام السجائر المعبّأة يدوياً، وبالتالي إلى زيادة زراعة التبغ. وقال: «سعر علبة السجائر الأجنبية 20 شيكلاً، وهناك مدخّنون يستهلكون سجائر بما يتراوح بين مئة ومئتي دولار شهرياً. ونتيجة للبطالة، لجأ المدخّنون إلى استعمال التبغ غير المصنّع لأنه أرخص».
وقد قام المزارعون وتجار التبغ بتعبئة علب سجائر وتوزيعصصها على الأسواق الفلسطينية المحلية. وتباع العلبة، التي تحتوي على مئة سيجارة، بعشرة شواكل، ما يعادل دولارين ونصف دولار.