باريس ــ بسّام الطيارة
دراسات تشير إلى نضوب وشيك للاحتياط النفطي... وتروّج لمرحلة «الطاقات البديلة»


يفتح ارتفاع سعر برميل النفط إلى ما يقارب الـ 95 دولاراً ملفات كثيرة تتعلق بمستقبل الطاقة النفطية والطاقات البديلة، وبالتالي مستقبل «المجتمعات النفطية»، وخصوصاً الدول ذات الاقتصاد القائم على النفط حصراً.
ولارتفاع أسعار الذهب الأسود أسباب «ظاهرة» تأتي في مقدمتها «أصوات طبول الحرب على إيران التي تصدر عن واشنطن»، وما رافقها من عقوبات أميركية أحادية على بعض الشركات والمصارف الإيرانية ومؤسسات الحرس الثوري. كذلك تتوجّه الأنظار إلى التحركات العسكرية التركية على الحدود العراقية والتهديد بـ«غزو كردستان العراق وصولاً إلى كركوك». إضافة إلى أن المضاربين في بورصات العالم يراقبون بحذر تراجع منسوب احتياط الولايات المتحدة الخاص على أبواب الشتاء، مع العلم أن ديناميكية السوق الصينية المدعومة بنسبة نمو تجاوز الـ 11.5 في المئة تواصل طلبها للطاقة بشكل مكثف وتشد الأسعار للارتفاع.
قد لا يبرر هذا وحده القمم التي وصل إليها سعر برميل النفط، إلا أن ارتفاع الأسعار يبرر توجهاً جديداً في التعامل مع «الذهب الأسود». فقد بدأت المؤسسات والدوائر المتخصصة بإخراج دراسات قديمة حول النفط، كان سعره «المنخفض نسبياً» قد جعلها عديمة الجدوى بعكس اليوم، حيث بدأت فكرة «تبديل الطاقة» تشق طريقها إلى حيز الواقع المقنع والمفيد اقتصادياً.
إلا أن بعض الدراسات، إضافة إلى ما تظهره من جدوى اللجوء إلى الطاقات البديلة، تدل على معطيات كانت حتى اليوم من الأسرار المكتومة للمحافظة على «النفط الرخيص» لاقتصاديات الغرب قبل أن تتدخل العوامل السياسية، وخصوصاً سياسة الولايات المتحدة وتوجهاتها الحربية من فترة لأخرى لترفع من سعر النفط من دون تداخل العوامل البينية، التي كان من المفروض أن ترفع سعره أضعافاً قبل سنوات.
ولعل من أهم الدراسات الحديثة تقرير صادر عن مجموعة «إينرجي واتش غروب»، وهي مؤسسة أبحاث ألمانية أسسها أحد نواب حزب «الخضر» المدافع عن البيئة هانس جوزيف فيل.
وبحسب هذا التقرير، فإن «نصف احتياط النفط في العالم قد استهلك بحلول ٢٠٠٦»، وإن استخراج النفط حالياً سيكون في تراجع دائم بنسبة ٣ في المئة سنوياً. وذكرت أن «الاحتياطي المؤكد والمعروف»، والذي يمكن استخراجه اليوم بجدوى اقتصادية تواكب أسعار السوق لا يتعدى الـ ٨٥٤ مليار برميل وليس ١٢٠٠ مليار برميل كما تروج له بعض المصادر. ويعود هذا الفارق إلى «الكذب في منطقة الشرق الأوسط»، حيث لا يتجاوز احتياط أهم خمس دول مصدّرة فيه، السعودية والكويت والعراق والإمارات وإيران، الـ٦٣٠ مليار برميل وليس ٧١٠ مليارات.
وتشير الدراسة، على سبيل المثال، إلى أن احتياط النفط في السعودية هو ١٨١ مليار برميل وليس ٢٦٢ ملياراً، بينما يبلغ احتياط إيران ٤٤ مليار برميل بينما المعلن عنه هو ١٣٠ ملياراً. وتشدّد على أن «الإنتاج في مناطق الشرق الأوسط سيتراجع في مستقبل منظور»، وذلك لأسباب عديدة، منها تراجع الاحتياط والتأخير في زيادة الاستثمارات الثقيلة الضرورية لزيادة عمق الاستخراج.
وتتوقع جمعية جيولوجيين نفطيين أميركية (أسوسيايشين فور ستادي أوف بيك أويل) أن يتم استخراج ما يعادل الـ ٦٥ مليار برميل بحدود عام ٢٠١١، وليس ١١٦ مليار برميل كما تعلن «الوكالة العالمية للطاقة»، والتي تعتمد عليها الشركات الكبرى في عملياتها التقديرية.
ويفسر هذا التقرير، إلى جانب تقارير أخرى متعددة المصادر، «رفض منظمة أوبك منذ شهور رفع انتاجها لتدارك ارتفاع سعر البرميل»، إضافة إلى رغبة بعض الدول بركوب موجة «طفرة الأسعار» لسد عجزها المالي وتعويم احتياطها العام لتعويض استثماراتها السابقة.
ويرى بعض المراقبين أن هذا التقرير «المتشائم» هو في سبيل تعزيز تيار القوى التي تدعم سياسة الطاقات البديلة «النظيفة»، مثل البنزين الأخضر (من قصب السكر أو الصويا) أو الطاقة الميكانيكية (المولدة من طواحين الهواء أو شلالات المياه) أو الفوتوكهربائية (الطاقة الشمسية بمختلف أوجهها) أو الطاقة الجوفية (استغلال حرارة الأرض).
إلا أن البعض الآخر يرى وراء هذا التقرير بعض شركات النفط، التي تستغل ارتفاع سعر البرميل للعمل على استغلال مواد نفطية كان يصعب استغلالها في ظل «السعر الزهيد»، مثل الرمال الزفتية والزيوت الثقيلة، التي يصبح استغلالها مربحاً ما أن يتجاوز سعر النفط العادي الـ٩٠ دولاراً.
ويؤكد المراقبون أن العمل على استغلال هذه المصادر وطرحها للاستهلاك الصناعي، وخصوصاً في الأسواق الغربية، يعني تأقلم سوق النفط العالمية على سعر برميل يدور حول المئة دولار، مع كل النتائج الدراماتيكية المترتبة على الدول الفقيرة العاجزة عن الاستثمار في طاقات جديدة، وهو ما يمكن أن يقود نحو زيادة عجز ميزان النمو بين الدول الغنية والفقيرة وزيادة اعتماد الأخيرة على المساعدات لتدوير اقتصادها بشكل يكبل تطورها.
ويتفق هؤلاء على أن «زمن المحافظة على الثروة النفطية»، الذي كان شعار بعض الدول النفطية لتبرير رفضها رفع سعر النفط، قد ولّى. فهذه الدول باتت على أبواب نهاية ثروتها الأرضية بتراجع احتياطاتها، وهي بالتالي باتت على توافق مع مروجي الطاقات الجديدة، لأنه يبرر ارتفاع سعر النفط ويسمح لها بزيادة مدخولها في مرحلة، تبدو أنها النهاية لعصر الثروة السهلة.

الاحتياط المؤكد والمعروف، والذي يمكن استخراجه اليوم بجدوى اقتصادية تواكب أسعار السوق لا يتعدى الـ ٨٥٤ مليار برميل وليس ١٢٠٠ مليار برميل كما تروّج له بعض المصادر. ويعود هذا الفارق إلى «الكذب في منطقة الشرق الأوسط»، حيث لا يتجاوز احتياط أهم خمس دول مصدّرة فيه، السعودية والكويت والعراق والإمارات وإيران، الـ ٦٣٠ مليار برميل وليس ٧١٠ مليارات