بول الأشقر
أعلن وزير الدفاع الفنزويلي السابق، الجنرال راوول بادويل، خلال مؤتمر صحافي أوّل من أمس، أنّ الإصلاحات الدستورية، التي ينوي الرئيس هوغو تشافيز إقرارها بواسطة استفتاء الشهر المقبل، «تشكّل تغييراً لطبيعة الدولة وتتطلّب جمعية تأسيسية»، مشدداً على أنّها تمثّل «تراجعاً عن الحقوق الديموقراطية» التي وفرها دستور عام 1999، الذي «يشكل إطاراً صالحاً لبناء الاشتراكية في إطارها»، داعياً الفنرويليّين إلى التفكير مليّاً بـ«خطورة ما يحدث».
وفيما الإصلاحات تؤدّي إلى تمركز الصلاحيّات في يده وإعطائه الحقّ بإعادة الترشّح لدورات غير محدّدة، قال تشافيز في الردّ الأوّل على صديقه وزميله السابق إنّ «بادويل وجّه طعنة لصداقتنا ولتاريخه، وسقط في حفرة الخونة».
ودخول بادويل في الجدل القائم حول الإصلاحات يشكّل تطوّراً مهماً في الحياة السياسيّة الفنزويلية، فهو رفيق درب تشافيز وأسّس معه «الحركة البوليفارية» عام 1992. واكتفى بأداء دور تنظيمي في محاولتي الانقلاب اللتين قامت بهما الحركة عام 1992، ما جعله يتحاشى الدخول إلى السجن. وتحوّل في ما بعد إلى كادر عسكري أساسي بعد وصول تشافيز إلى الرئاسة عام 1999 وتميّز بدوره في إسقاط الانقلاب الذي حاول إطاحة تشافيز عام 2002.
وبرز بادويل موجّهاً لردّة فعل الضبّاط الموالين الذين حضنوا التظاهرات الشعبية التي سمحت لتشافيز بالعودة إلى السلطة بعد أقل من 48 ساعة من عملية إقالته. بعدها، تمّت ترقيته إلى رتبة جنرال وشغل منصب قائد الجيش، ثم وزير الدفاع قبل التقاعد في تمّوز الماضي. ومن هذا المنظار، تمثّل معارضته للإصلاحات ضربة رمزية قوية للرئيس الذي أقرّ بأنّه فوجئ «ليس بمضمون كلامه الذي كنت أعرفه، بل بشكل مداخلته وبالحقد المتراكم فيها».
من جهة أخرى، تتمثّل أهمية موقف بادويل، التي كانت تتّهمه المعارضة بـ«أدلجة الجيش»، في أنّه على الأرجح حسم الجدل الذي كان قائماً في صفوف المعارضة حول مقاطعة الاستفتاء أو الاقتراع بـ«لا». كما يشير موقف الجنرال إلى نزعة بعض التشافيزيّين التاريخيّين للابتعاد عن المنحى الحالي الذي تسلكه الثورة البوليفارية.
فقد بدأ التمايز بين تشافيز وبعض التنظيمات الموالية له بعد إعادة انتخابه قبل عام، عندما رفضت هذه التنظيمات حلّ نفسها ضمن حزب واحد كبير موال. وعلى سبيل المثال، فضّلت مجموعة «قادرون» (يمثّلها 6 نوّاب في البرلمان) التحفّظ على إقرار الإصلاحات الدستورية الشهر الماضي وقرّرت الانضمام إلى معسكر الـ«لا» في الحملة التي ستبدأ بعد أيّام.
وتشكّل الإصلاحات الدستورية مفارقة لافتة، إذ صار الموالون يرون في دستور عام 1999، الذي وضعه تشافيز بنفسه، «عقبة» أمام تعميق الثورة، فيما صارت المعارضة، التي كانت ترى فيه «وثيقة شيوعية»، تتمسّك به تخوّفاً من الآتي. وقد توسّعت في الأيّام الأخيرة التظاهرات الطالبيّة المعادية للإصلاح إلى مدن عديدة، بعدما كان الرئيس قد جمع أنصاره قبل أيّام في مهرجان حاشد في كاراكاس.
ويتأرجح اعتراض المعارضة، التي تشمل الكنيسة، بين الطلب بتأجيل الاستفتاء والدعوة إلى جمعية تأسيسيّة، ناهيك عن الأصوات الانقلابية التقليدية، فيما يراهن تشافيز على حملة انتخابية سريعة تسمح له بتحقيق انتصار كاسح على معارضيه، كما درجت العادة منذ أن تمّ انتخابه رئيساً.
كلّ شيء يشير إلى أنّ النتيجة ستكون هذه المرّة مطابقة للاستحقاقات السابقة، غير أنّ حجم الانتصار سيكون أيضاً معبّراً لقياس مزاج الشارع الفنزويلي، إذ تصرّ بعض استطلاعات الرأي على التأكيد أنّه خلال السنة الماضية، تزايدت الهوة بين مستوى شعبيّة تشافيز من جهة ومستوى شعبيّة آرائه الفكريّة وبعض تصرّفاته من جهة أخرى.