حاوره معمر عطوي
• مع الفلسطينيين واللبنانيين في خندق واحد

أكد القائد العام للجناح العسكري لحزب العمال الكردسـتاني الدكتـور باهـوز أردال أن الحكومة التركيـة هي التي تتحمـل مسـؤولية بـدء القتـال على الجبهـة مـع العنـاصر الكرديـة. ونفـى، في حديـث أجرتـه «الأخبــار» معـه عبـر الإنتـرنت، أي علاقـة لحزبـه بإسـرائيل، مؤكـداً من موقعـه العسـكري في سلسـلة جبـال زغـروس، على عمـق العلاقـة مع الشعبيـن الفلسـطيني واللبـناني

• قلتم في آخر تصريحاتكم إن «الأتراك لا يملكون مبادرة اجتياحهم الإقليم» الكردستاني. أمام ترسانة الجيش التركي الكبيرة، كيف يمكن لمنظمة لا يتعدى عناصرها الـ3500 عنصر مواجهة هذا الجيش؟ وما هي المعطيات التي تؤكد قدرتكم على تحقيق أهدافكم؟
ـــــ كما تعرفون. يعدّ الجيش الإسرائيلي من الجيوش القوية جداً في المنطقة، وخلال محاولته اجتياح الجنوب اللبناني في الحرب الأخيرة في العام الماضي تكبَّد خسائر فادحة على يد قوات حزب الله اللبناني الأقل عدداً وعتاداً. في الطرف الآخر، الجيش التركي أقل تنظيماً من نظيره الإسرائيلي وأسلحته أقدم بكثير من سلاح الجيش الإسرائيلي. إضافة إلى ذلك، هناك جغرافية كردستان التي نتحرك فيها، أكثر وعورة من جنوب لبنان. ولنا تراكم من الخبرات في حرب الأنصار نستمدها من تجربتنا خلال ربع قرن من كفاحنا التحرري.

• برأيكم، ما هي الظروف الإقليمية والدولية، التي حرّكت الجبهة مع الأتراك في الآونة الأخيرة؟ وما هي مصلحتكم في استفزاز الأتراك في الأشهر الأخيرة عبر تصعيد عملياتكم؟
ـــــ لسنا الطرف الذي صعّد من هذه الحرب، ولم نقم باستفزاز الجيش التركي. مثل هذه الادعاءات ليس لها أي اساس من الصحة؛ فنحنُ الطرف الذي أعلن مراراً وقفاً لإطلاق النار من جانب واحد دون أن نلقى أي رد إيجابي من الطرف الآخر. لكن الجيش التركي زاد من حملاته العسكرية ضدنا. مع العلم بأن قواتنا العسكرية بقيت حتى الآن ملتزمة بنهج الدفاع المشروع؛ فالمسؤول الأول عن هذا التصعيد هو الجيش التركي الذي يستمر في حملاته العسكرية.
لقد وصل نضال الشعب الكردي إلى مستويات متطورة جداً على الأصعدة السياسية والدبلوماسية والعسكرية، وهذا جلب معه زيادة الاهتمام الدولي بالقضية الكردية وتزايد المحاولات الكثيرة لحل هذه القضية دولياً.

• ما هي حقيقة الانشقاق داخل حزبكم؟
ـــــــ ليس هنالك أي انشقاق داخل حزبنا. هذه الأخبار ليست إلا دعايات أطلقتها الدولة التركية وإعلامها ضد حركتنا بهدف إثارة الشكوك والريبة داخل جماهيرنا الكردية. إن كنتم تقصدون بسؤالكم انقطاع بعض الشخصيات بمن فيهم عثمان أوجلان سنة 2004، فهذا لم يكن انشقاقاً، بل محاولة انشقاق فاشلة، قام بها عدد قليل من الأشخاص وهم الآن قد تركوا النضال نهائياً وليس لهم أي تأثير. لقد جرت محاولة جر الحركة إلى نهج آخر بعيد عن نهجنا النضالي الأصيل، وكانت هنالك بعض الجهات الإقليمية والدولية وراء هذه المحاولة.
أما بالنسبة إلى عثمان أوجلان، فهو شخص ترك النضال والحياة السياسية. تزوج وأسس عائلة وهو الآن يعيش في إقليم كردستان العراق. لقد انتهى بالنسبة إلينا، وهو خارج دائرة اهتمامنا نهائياً.

• هل صحيح أن هناك دعماً أميركياً لكم؟ وما هي مصلحة الأميركيين فيما لو كان ذلك صحيحاً؟
ـــ ليس هنالك أي دعم أميركي أو من أية دولة أخرى لنا. لكن الدولة التركية تحاول كثيراً إظهار حركتنا وكأنها مدعومة من دولة ما؛ سابقاً كانت تتهم سوريا، وأحياناً كانت تتهم إيران، والآن باتت تتهم العراق وأميركا على أنهما تقدمان لنا الدعم. الدولة التركية تهدف من خلال هذه الدعايات لإظهار وكأن مصدر المشكلة هو القوى الخارجية. إنما الأمر هو أن هنالك قضية كردية في تركيا، قضية عشرين مليون كردي محرومين من جميع حقوقهم الإنسانية.
الموقف الأميركي كان ولا يزال لمصلحة الدولة التركية. وأميركا كانت القوة الرئيسية في التآمر على اعتقال قائدنا السيد عبد الله أوجلان وتسليمه لتركيا سنة 1999. ولا تزال أميركا تصف حركتنا بـ«الإرهاب» وتمارس سياسة الكيل بمكيالين.
وإن كانت القضية الكردية قد بقيت حتى الآن من دون حل، فإن لأميركا والاتحاد الأوروبي دوراً رئيسياً في ذلك.

• هل هناك علاقة بينكم وبين إسرائيل؟
ـــ ليست لنا أية علاقات مع إسرائيل. ونحن كحزب العمال الكردستاني لم ولن ننسى مساندة الشعبين اللبناني والفلسطيني لنا في بدايات نضالنا. وما زلنا في خندقٍ نضالي واحد مع هذين الشعبين.

• هل ترون ثمة صفقة بين أنقرة وطهران وسوريا للعمل على محاربتكم؟ ما هي مصلحة كل بلد؟ وإلى أين يمكن أن تنجح هذه الصفقة؟
ــــــ أجل، هناك تحرك مشترك للدول الثلاث تقوده تركيا، التي تحاول جر هذه الدول وبعض الدول الأخرى إلى استخدامها في حرب شاملة ضد الشعب الكردي. هذه السياسة التركية المتزمتة، التي لا تخرج عن الشعارات القوموية المهترئة، لن تنتج سوى التوتر والأزمات والصراعات الدموية بين الشعوب. ليس لدمشق ولا لطهران ولا لشعبيهما أي مصلحة في تتبع هذه السياسة التركية. إن سياسات أنقرة هذه تتسبب في تبرير التدخلات الخارجية في شؤون المنطقة.
الشعب العربي هو شعب صديق لنا، ولنا تاريخ نضالي مشترك. وقد تعاطف الشعب العربي، ولا سيما اللبناني والسوري، مع نضالنا طوال عشرين عاماً، وجميع الصفقات المعادية للشعب الكردي ولحركتنا ستفشل.

• ما هو دور سلطة الحكم الذاتي الكردستاني في العراق في هذه الحرب؟
ــــــ الحرب بدأت في تركيا منذ سنة 1984. ولم تبدأ بعد قيام سلطة الحكم الذاتي الفتية في كردستان العراق. فالقضية موجودة منذ زمن بعيد داخل تركيا.
وقواتنا الحقيقية موجودة داخل كردستان تركيا في آمد وديرسيم ووان، وحتى في جبال البحر الأسود وأمانوس. تحاول تركيا التحجج بوجودنا للتدخل في شؤون العراق وسد الطريق أمام التجربة الديموقراطية للعراق.
بطبيعة الحال، النضال الذي نسيّره في الجزء الكردستاني من تركيا يؤثر على أجزاء كردستان الأخرى، وبالأخص في كردستان العراق. وكذلك الوضع الحالي في كردستان العراق يؤثر بشكل من الأشكال على التطورات الأخيرة ليس إلا.

• ما هو موقفكم من مشروع تقسيم العراق؟ وما هي مصلحتكم؟
ــــــ لسنا مع تقسيم أية دولة في المنطقة. نحنُ مع الحل الديموقراطي والسلمي للقضية الكردية في كل الدول المعنية، من دون المساس بحدودها ووحدتها، مع العيش المشترك للشعوب على أساس الاحترام والأخوّة. هذا الحل قد يكون بصيغة فدرالية أو كونفدرالية أو ديموقراطية، ولسنا مع أي سيناريوهات لتقسيم العراق أو أية دولة أخرى.

• أين هو عبد الله أوجلان مما يجري؟ وهل صحيح أن طموحاتكم كانت بعد اعتقاله قد تراجعت من المطالبة بدولة كردية مستقلة إلى المطالبة بإطلاق سراحه؟
ـــ قائدنا عبد الله أوجلان ليس قائداً سياسياً لحزبنا فحسب، بل هو قائد للأكثرية الساحقة من الشعب الكردستاني، وليس في كردستان تركيا فحسب. في العام الماضي، اعتبر أكثر من أربعة ملايين شخص، من خلال حملة استفتاء، القائد عبد الله أوجلان قائدهم وإرادتهم السياسية في كردستان.
لذا، فإن موقعه حساس ومهم جداً بالنسبة إلى الشعب الكردي وحركتنا. هو معرّض لشتى الهجمات، وآخرها كانت تعرّضه لعملية تسميم مبرمجة داخل الزنزانة الانفرادية. وكذلك يعيش أصعب الظروف التي لا يمكن لأي سجين آخر تحملها، فهو مسجون لوحده ضمن حجرة انفرادية منذ سنة 1999 في جزيرة إيمرالي النائية في بحر مرمرة، ومحروم من كل الحقوق الطبيعية التي يتمتع بها السجناء السياسيون الآخرون في تركيا وفي باقي الدول.
ونحن نرى ضرورة حل القضية الكردية سياسياً ضمن الحدود الرسمية للدولة التركية وبالسبل الديموقراطية التي تضمن تمتع شعبنا بحريته وحقوقه الوطنية والقومية. مفهومنا لحل القضية الكردية يتجاوز الدولة القومية كثيراً. فالوضع الذي تعيشه منطقة الشرق الأوسط من توتر واقتتال، ليس إلا نتيجة الرؤية القوموية السائدة حالياً. فتجاوزنا لمفهوم الدولة القومية ليس من قبيل أننا قد ضعفنا أو قد تراجعت قوتنا، كلا، بل إننا نؤمن بأن الحل على أسس المفاهيم القوموية لن تكون مجدية في حل جميع مشاكل المنطقة.

• هل ترون أن هناك فرقاً بين المؤسستين العسكرية والسياسية في تركيا، ولا سيما أن في صفوف حزب العدالة والتنمية الحاكم العديد من الكوادر الأكراد؟
ـــ حزب العدالة والتنمية يمثل الفكر الإسلامي القومي التركي، والعسكر يمثل الفكر العلماني القومي التركي. يمكننا القول إن الدولة التركية بعسكرها وساستها وقادتها ينسون كل خلافاتهم حينما يكون الأمر متعلقاً بالقضية الكردية. فقد تحالفت الحكومة الحالية مع الجيش للتضييق على الجماهير والحركة الكردية. السياسة التي تتبعها حكومة أردوغان لم تخرج عن نطاق سياسة الحكومات التركية السابقة في التقرب من القضية الكردية.
هي أيضاً تنظر من منظور أمني إلى القضية الكردية، وتحشرها في موضوع «الإرهاب». ولحكومة أردوغان دور كبير جداً في تصاعد حال التوتر والحرب في الآونة الأخيرة، نتيجة الصلاحيات الواسعة التي أعطتها الحكومة للجيش التركي، وآخرها كانت المذكرة التي أعطتها للجيش والتي تسمح له بالدخول إلى كردستان العراق.
أما بالنسبة إلى الأكراد الذين ضمن حكومة أردوغان أو حزبه، فهم لا يمثلون إلا أنفسهم وليست لهم أي علاقة بالجماهير الكردية.

• هل تراهنون على انتفاضة شعبية في جنوب شرق الأناضول؟
ـــ هنالك حالة غليان واحتقان ضمن المجتمع الكردي ضد الحالة السيئة التي يعانون منها جراء السياسات التقليدية للدولة؛ ففي القرن الحادي والعشرين، كل ممارسات الدولة التركية من اعتقال وتضييق وحملات عسكرية تزيد من حالة الاحتقان الموجودة ضمن الشارع الكردي وقد تؤدي إلى انفجار جماهيري كبير يخرج من نطاق السيطرة و التحكم.

• إلى أي مدى يمكن لكم الصمود في هذه الحرب؟ وهل تتوقع حصول تسوية ما تنهي التوتر أو تجمده؟
ـــــ لقد أبدينا مقاومة قوية خلال السنوات الـ 24 الماضية، مع أننا لم نكن نواجه الجيش التركي فحسب، بل كان هذا الجيش مدعوماً من قِبل الكثير من الدول الكبرى بما فيها الولايات المتحدة وإسرائيل وبعض القوى الإقليمية وحتى بعض الأحزاب الكردية في كردستان العراق التي تحالفت مع الجيش التركي في حربها علينا. لكن ماذا كانت النتيجة؟ نحنُ ما زلنا باقين في كل مناطق تمركزنا، وما زلنا أقوياء وبإمكاننا الصمود. نحنُ أكثر قوة وقدرة بالمقارنة مع ما كنا عليه في السنوات الماضية. فكما فشل الجيش الإسرائيلي في حربه الأخيرة أمام التكتيكات الحربية الجديدة التي طوّرها حزب الله، سيكون فشل الجيش التركي أكثر فداحة.
إن تصعيد القتال أو تراجعه مرتبط بموقف الدولة التركية؛ فنحنُ من جانبنا أعلنّا ونصرُّ على الحل السياسي للقضية الكردية. ونؤمن بأن الدولة التركية ستأتي في نهاية المطاف إلى نقطة التسوية السياسية للمسألة. فإن أقدمت حكومة أردوغان على خطوة إيجابية وأعلنت عن مشروع سياسي للحل، فهذا بطبيعة الحال سيكون له انعكاس إيجابي.

• هل تعتقد أن ضغوط حكومة بغداد على إقليم كردستان بدأت يؤتي ثمارها لجهة تضييق الخناق عليكم؟
ــــــ لا، نعتقد إنه سيكون بإمكان حكومة إقليم كردستان وحكومة بغداد تضييق الخناق علينا. حكومة بغداد وحكومة إقليم كردستان لم تستطيعا بعد التحكم في شؤونهما الداخلية وتحقيق الأمن. فحلّ المسألة ليس في بغداد أو أربيل أو أي مكان آخر، الكرة في ملعب تركيا منذ زمن طويل، وعليها ألّا ترميه لا إلى بغداد ولا إلى أربيل ولا حتى إلى واشنطن.



الدكتور باهوز أردال كردي سوري، اسمه الحقيقي حسين فايمان، التحق بحزب العمال الكردستاني في عام 1987، تاركاً دراسة الطب البشري في دمشق. تولى قيادة جبهات الحرب على مدى 15 سنة داخل الحدود التركية.هو المسؤول العسكري الفعلي والميداني لقوات حزب العمال في إيران والعراق وتركيا، تمتد من البحر الأسود وحتى كرمانشاه في إيران، مروراً بكردستان العراق.