بول الأشقر
كانت الرئيسة التشيلية، ميشيل باشليه، تراهن على القمّة الأيبيرية ـــــ اللاتينية الـ17 التي عقدت يومي الجمعة والسبت الماضيين، للتعويض عن شعبيّتها المأزومة. والقمّة، التي احتضنتها سانتياغو وضمّت زعماء إسبانيا والبرتغال وأندروفا والدول الأميركيّة اللاتينيّة التي تتكلّم الإسبانيّة أو البرتغاليّة، كانت مكرّسةً لمناقشة موضوع «التماسك الاجتماعي»، والعدالة الاجتماعيّة في ظلّ الاختلافات الأيديولوجيّة.
عدد من الاتفاقات كلّلت نهاية المحادثات، بينها اتّفاق لإعطاء حقوق التقاعد للمهاجرين في أيّ من الدول المشاركة، إضافة إلى اتفاقات أخرى تتعلق بمياه الشفة، على سبيل المثال. غير أنّ باشليه، وعلى رغم تخصيصها اجتماعاً مغلقاً من دون جدول أعمال لإعطاء فرصة للتقارب والتعبير الحرّ للرؤساء، أصيبت بخيبة أمل، فقد طاف الجدل في آخر اجتماع عام، وكاد أن يعكّر نهاية القمّة، حين تحوّل الحوار خلافاً صاخباً بين الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز والملك الإسباني خوان كارلوس، والوفد المرافق له، ما أدّى إلى انسحاب الملك من الاجتماع. انسحاب علّقت عليه صحيفة «لا ناسيون» بوصفه معبّراً عن «غياب التماسك والدبلوماسية».
فالأنظار تركّزت كالمعتاد على تشافيز الذي وصل متأخراً بسبب مفاوضاته مع ثوّار «الفارك» البوليفيّين. ولدى وصوله إلى المطار، سُئل الزعيم الاشتراكي عن الوضع في بلاده، ففاجأ الصحافيّين بأن غنّى لهم أغنية فنزويلية تقليدية تقول «لست نقوداً ذهبية لترتاح معي كل الجيوب». وفي خطابه أمام القمّة، هاجم كعادته نظيره الأميركي جورج بوش، وعرّج على رئيس الوزراء الإسباني السابق زعيم «الحزب الشعبي» المحافظ خوسيه ماريا أثنار، واصفاً إيّاه بأنّه «فاشي وعنصري»، ثم اعترض بعدها على عنوان القمّة واقترح استبداله بـ«التغيير الاجتماعي» بدلاً من «التماسك الاجتماعي».
في اليوم التالي، وخلال آخر جلسة عامّة، اعترض رئيس الوزراء الإسباني خوسيه ـــــ لويس ثاباتيرو على كلام تشافيز طالباً منه «اعتماد لغة الاحترام بيننا بغض النظر عن الخلافات الأيديولوجية»، فصار تشافيز يقاطعه مردّداً عبارة «وجّه هذا الكلام له»، أي لأثنار، ما جعل الملك الإسباني يفقد أعصابه، فأشار إلى تشافيز بإصبعه قائلاً: «ألا تعرف أن تخرس؟».
عندها تدخّلت باشليه طالبة من ثباتيرو المتابعة. وعندما أنهى هذا الأخير كلامه، قال تشافيز «تحتفظ فنزويلا بحقّ الردّ في أيّ مكان وأيّ زمان وبأيّ لهجة».
وبعد ذلك، عاد رئيس نيكاراغوا دانيال أورتيغا وهاجم أداء شركة الكهرباء الإسبانية في بلده، ما أدّى إلى انسحاب خوان كارلوس من الاجتماع، قبل أن يعود برفقة باشليه التي كانت لحقت به.
في ما بعد، شارك تشافيز في مهرجان شعبي برفقة أورتيغا والرئيس البوليفي إيفو موراليس، ونائب رئيس كوبا كارلوس لاج، في ما يسمّى «قمة الشعوب» الموازية. وتكلّم تشافيز حوالى ساعتين واتّصل بالزعيم الكوبي فيديل كاسترو، بواسطة جهازه الخلوي، وأخذ يردّد على الحاضرين أقوال الأخير. وتطرق بعدها مجدّداً إلى الخلاف الصباحي، خلال تلقّيه لقب دكتوراه شرف من جامعة تشيلية، قائلاً: «إنّه ربما ملك، ولكن لا يحق له أن يطلب مني السكوت، أنا أيضاً أطالب بالاحترام، فأنا رئيس دولة ومنتخب ديموقراطياً».
على هامش هذا الخلاف، كانت القمّة مناسبة للقاء بين باشليه ونظيرتها الأرجنتينيّة المنتخبة حديثاً كريستينا فرنانديز، التي ستتسلّم مقاليد الحكم الشهر المقبل من زوجها نستور كيرشنير. وقد شكّلت القمّة إطاراً لنقاش بين تشافيز والرئيس الكولومبي ألفارو أوريبي، لدرس مجريات المفاوضات مع منظّمة «فارك» في ما يتعلق بتبادل الرهائن. وقد يحمل خلال زيارته لباريس بعد 10 أيّام، دليلاً حسّياً على الوضع الصحي للمعتقلة الفرنسيّة لدى التنظيم، إنغريد بيتانكور.
القمّة شهدت أيضاً اجتماعاً منتظراً بين باشليه وموراليس. فالبلدان، على رغم العلاقات الطيبة بين الرئيسين، يعملان لاستعادة العلاقات الدبلوماسيّة بينهما، وقد تتوافر قريباً ظروف التطبيع إذا وافقت سانتياغو على إعادة الواجهة البحريّة لبوليفيا المحتلّة منذ القرن التاسع عشر.
وجرى اللقاء بعد تغيّب موراليس عن العشاء الرسمي للقمّة لأنّه كان يخوض مباراة كرة قدم مع فريق مؤلف من الشيوخ التشيليين!