طوني صغبيني
بعد نحو عامين على أزمة الرسوم الكاريكاتورية، التي أثارت غضباً إسلامياً عارماً على الدنمارك، تترقّب كوبنهاغن اليوم تحوّل «مهاجر عربي مسلم» إلى «صانع ملوك» يحدّد مصير حكومتها، في انتخابات تظللها أزمة الرسوم، وخصوصاً مع إصرار حزب «الشعب» اليميني المتطرف على استعمال صورة للنبي محمد ملصقاً دعائياً لحملته.
وطغى صعود حزب «التحالف الجديد»، بقيادة ناصر خاضر، على الجدل الانتخابي، ولا سيما أن الاهتمام بشخص خاضر، المولود في دمشق من أب فلسطيني وأم سورية، لدوره المرتقب في رسم معالم الحكومة المقبلة إذا حصل على نسبة الـ 5 في المئة من الأصوات (أي نحو 11 مقعداً)، في ظلّ تقارب حظوظ الفوز بين ائتلاف يمين الوسط الحاكم (48 في المئة)، أي نحو 85 مقعداً، والحزب الديموقراطي الاجتماعي المعارض (45 في المئة) أي نحو 79 مقعداً في البرلمان المؤلف من 179 مقعداً.
ومنذ عام 2001، حكم «تحالف الأحرار والمحافظين» بقيادة رئيس الوزراء أندرس فوج راسموسن السياسة الدنماركية. واكتسب حزب «الشعب» اليميني المتطرف، بقيادة بيا كيارسغارد، تأثيراً متزايداً على قرارات الحكومة، بعدما أصبح ضمانة حصول راسموسن على الأكثرية النيابية. لكن بعد عام 2006 تغيرت الخريطة السياسية، حيث بزغ نجم خاضر خلال أزمة الكاريكاتور رمزاً ناجحاً للمسلمين المندمجين في المجتمعات الأوروبية.
ومنذ ذلك الوقت، ظهر السياسي العربي على أنه أحد المقربين من رئيس الوزراء، وداعية للحوار يواجه الإسلاميين والمتطرفين اليمينيين في الوقت نفسه. وما لبث أن خرج من حزبه القديم ليؤسس «التحالف الجديد»، جاعلاً «سيناريو الحلم» بالنسبة له «إقامة حكومة متمركزة في الوسط».
بعد أقل من ستة أشهر على تأسيسه، نجح «التحالف الجديد» في جذب الناخبين، بناء على برنامجه القائم على مواجهة تأثير حزب الشعب، وإصلاح السياسات الاقتصادية والاجتماعية في الدولة، التي تصل فيها نسبة بعض الضرائب إلى 63 في المئة. وهو يواجه قوانين الهجرة الصارمة، التي فرضها حزب الشعب، والتي تمنع المواطنين البالغين من العمر 24 عاماً وما دون من تزوّج أجانب. وفي محاولة للحفاظ على أكبر هامش ممكن من المناورة، أعلن خاضر عدم التزام حزبه بأي تحالف سياسي، جاعلاً الموافقة على اقتراحاته المتعلقة بالضرائب والهجرة شرطاً أساسياً لدعم ولاية جديدة لراسموسن أو الانضمام إلى المعارضة بقيادة الديموقراطي الاجتماعي. وخاضر ليس العربي الوحيد الذي يخوض المعركة الانتخابية، حيث تشاركه في ذلك الفلسطينية أسماء عبد الحميد البالغة من العمر 25 عاماً، من «تحالف الخضر ـــــ الحمر» (أقصى اليسار) المعارض. وأثار ترشحها جدلاً واسعاً، إذ يمكن أن تكون، في حال نجاحها، المرأة المحجبة الأولى في البرلمان الدنماركي. وكانت آخر انتخابات برلمانية قد أجريت في شباط عام 2005، على أن تنتهي في عام 2009، غير أن رئيس الوزراء استخدم صلاحياته الدستورية للدعوة إلى عملية اقتراع، ينتخب فيها 135 نائباً بالأكثرية النسبية في 17 دائرة انتخابية، ويتم احتساب 40 مقعداً على أساس نسبة الأصوات التي حصل عليها كلّ حزب، وتنتخب جزيرة غرينلندا ممثلين عنها مباشرة، وكذلك جزر فارو، الخاضعة لسلطة كوبنهاغن. ويحتاج الحزب إلى 2 في المئة من الأصوات على الأقل لدخول البرلمان، وهي نسبة متدنية بالمقارنة مع الدول الأوروبية.