بعد ربع قرن، شاء القدر أن يُعيد التاريخ نفسه مع المحامي وعضو مجلس الشيوخ الباكستاني اعتزاز إحسان، وأن يكون موجوداً في السجن للسبب نفسه، وإن تغيّر الأبطال في القصة.عندما استقبل الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان الرئيس الباكستاني الأسبق ضياء الحق، زُجّ المحامي، خريج جامعة كامبريدج، في السجن لأنه اعترض على غياب الديموقراطية في بلاده.
وبعد نحو ربع قرن من الزمن، وبعدما شاب ووصل إلى ذروة مهنته، يرقد إحسان اليوم أيضاً في السجن لأنه رفع صوته في وجه الحاكم العسكري الباكستاني برويز مشرف، الذي تراه واشنطن حليفاً لا غنى عنه.
وبعد أسبوع على فرض مشرّف القانون العسكري، مدح الرئيس الأميركي جورج بوش حليفه قبل أن يطلب منه رفع حال الطوارئ، وفي هذه الأثناء كان إحسان يُكمل أسبوعه الأول في السجن الانفرادي لقيادته حركة المحامين التي غدت رمزاً للمقاومة ضدّ حكومة مشرف. وقبل أن تعتقله الشرطة الباكستانية، قال إحسان «هذه البلاد تعيش أزمة عميقة جداً، وهذا أمر لم يعد بالإمكان احتماله».
وترى عائلة إحسان (63 عاماً) أن هناك تشابهاً كبيراً بين تلك الأيام التي كانت تدعم فيها واشنطن الجنرال ضياء الدين الحق بمليارات الدولارات لخوض حرب بالوكالة على الاتحاد السوفياتي في أفغانستان، وهذه الأيام التي قدمت فيها إدارة بوش أكثر من 10 مليارات دولارات إلى مشرّف لمحاربة الإرهاب.
وفي الحالتين، رُجّحت المصالح الأميركية على ديموقراطية الباكستانيين. ويقول ابن إحسان، علي، وهو أيضاً محامٍ، «دخل أهلي السجن عندما رحّب البيت الأبيض بضياء الحق، أما اليوم فمشرّف هو الطفل المدلل للبيت الأبيض». ويتابع «هي المسرحية نفسها يُعاد تمثيلها».
ورغم ذلك، لا يعيد التاريخ نفسه بدقة، ففي كل حالة اختلفت حال البلاد، واختلفت أيضاً السياسة الأميركية؛ فالإذاعة التلفزيونية المستقلة، التي أمر مشرّف بإغلاقها بعد فرض الطوارئ، لم تكن موجودة إبّان حكم ضياء الحق. والمجاهدون الذين دعمهم ريغان لمحاربة الاتحاد السوفياتي السابق في أفغانستان، هم اليوم الأصوليون الذي تحاربهم واشنطن.
وفي لعبة الكبار كان الباكستانيون، أمثال إحسان وزوجته وأولاده، الضحايا. وتقول الزوجة، التي دخلت أيضاً السجن لمشاركتها في تظاهرة نسائية ضد ضياء الحق، «كان الأجدى لواشنطن أن تنفق الـ10 مليارات دولار، على بناء المؤسسات المدنية».
وقد انطلقت انتفاضة «رجال القانون» منذ إقالة مشرّف لرئيس المحكمة العليا افتكار تشودري في آذار الماضي، وظهر بينهم إحسان خطيباً وبطلاً للسلطة القضائية، يخوض معها المعركة تلو الأخرى ضد الجنرال.
وقد استطاع أن يحقق سمعة مدهشة في حياته المهنية، ولعل أبرز القضايا التي ربحها هي قضية إرجاع تشودري إلى منصبه في تموز الماضي. وعندما قدّم الجنرال مشرّف أوراق ترشيحه إلى اللجنة الانتخابية، احتشد مئات المحامين الغاضبين أمام مقرّ اللجنة واشتبكوا مع الشرطة، وكان بينهم إحسان الذي ضرب أحد عناصر الشرطة بعدما هاجمه.
وفيه يقول أحد زملائه من لاهور، فيصل ناكفي، «لا يمكن أحداً أن يحل مكانه، فهو يقاتل على مختلف المستويات».
وخلال اعتقاله في الثمانينيات والتسعينيات، كتب إحسان «القصة الصناعية، وصنع باكستان»، وهو كتاب ينظر إلى باكستان بطريقة مختلفة. ويقول «لا أحد يمكنه أن يفهم هذا سوى من عاش وراء القضبان، التوق إلى مجتمع أفضل وأكثر تحرراً وتسامحاً، صلاتي الوحيدة ألّا يبقى السجن الخيار المشرّف الوحيد للمعارضين السياسيين».
(عن «نيويورك تايمز»)