strong> معمر عطوي
لم يكن اقتراح وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل بإنشاء اتحاد دولي «كونسورتيوم» في الخليج لتزويد دول المنطقة باليورانيوم المخصَّب، محل ترحيب من أكثر من دولة،ولا سيما إيران المستهدفة مباشرة من هذا الاقتراح، الذي يأتي في إطار سياسة هي في الظاهر سعودية، لكنها في الواقع أميركية، تهدف إلى الحد من الطموحات النووية للنظام الإسلامي ونفوذه المتعاظم في المنطقة.
أحد أهداف الاقتراح، الذي نقلته مجلة «ميدل إيست إيكونوميك دايجست» عن الفيصل، كان محاولة لحل الأزمة بين الغرب وإيران. لكنه يُعبِّر، في الوقت نفسه، عن مخاوف خليجية واضحة من أن تذهب إيران في موضوع التخصيب بعيداً، فتمتلك قنبلة ذرية «شيعية ـــــ فارسية» في وجه قنبلة باكستان «السنية»، التي كانت الرياض من أكبر مموِّليها.
ثمة مصلحة أميركية في هذا المسعى، الذي دعمته دول الخليج الأخرى ومصر والأردن والمغرب، تكمن في تعزيز دور ما يُسمى «دول الاعتدال» التي حظيت بصفقة أسلحة أميركية في الصيف الماضي، تجاوزت قيمتها أربعين مليار دولار، لمواجهة نفوذ طهران الذي تجاوز منطقة الخليج وأفغانستان إلى لبنان وفلسطين.
من هنا، يبدو أن الاقتراح السعودي يتجاوز دوره ككيان جماعي لتوزيع الوقود النووي على كل محطة في المنطقة، إلى لعب دور استراتيجي في إعادة «هيكلة» الشرق الأوسط ليبقى تحت السيطرة الأميركية.
لذلك، نشهد اقتراحات تحصر هذا المشروع بين مصر ودول الخليج، ولا سيما السعودية، التي ستقوم بتمويل المشروع، فيما تقوم مصر التي لديها تجربة نووية بالمشاركة في التشغيل.
ويضمن الاقتراح السعودي إمدادات الوقود النووي لدول المنطقة التي أعلنت عن مشروعات نووية سلمية، مثل الأردن وليبيا والإمارات ومصر. وبالتالي، تصبح قضية التخصيب لا تمثل مشكلة، لأن امدادات الوقود لن تنقطع. كما يحد هذا المشروع من عمليات التلاعب بأسعار الوقود، والمماطلة على غرار ما تمارسه الشركات الروسية مع إيران في مفاعل بوشهر الكهروذري.
طهران من جهتها، لم تتعاطَ مع الاقتراح بترحيب. صحيح أنها سبق أن قدمت اقتراحاً مماثلاً العام الماضي يقضي بإنشاء اتحاد للتخصيب بالتعاون مع فرنسا، لكن «الظروف تغيّرت»، إضافة إلى أن الاقتراح السعودي هو «إملاء أميركي».
لكن الهاجس الأكبر هنا، هو الارتياب الروسي الذي ينظر إلى أي اقتراح خليجي على أنه امتداد للنفوذ الأميركي في المنطقة، ولا سيما أن موسكو كانت قد اقترحت على طهران نقل عمليات التخصيب إلى أراضيها، بيد أن الأخيرة رفضت. الموقف الروسي عبَّر عنه مدير الوكالة الفدرالية للطاقة الذرية، سيرغي كيريينكو، بقوله «نرى أن هذه المراكز يجب أن تكون كثيرة، ولكنها لا بد أن تقع في بلدان تمتلك تكنولوجيا تخصيب اليورانيوم كاملة، من أجل ألا تنتشر هذه التكنولوجيات في العالم»، مشيراً إلى المركز الدولي للتخصيب الذي أنشأته روسيا على أراضيها في أنغارسك (سيبيريا).
حتى أوروبا شعرت ـــــ على ما يبدو ـــــ بخطورة الاقتراح الخليجي ـــــ الأميركي على سياستها في المنطقة، فسارعت إلى إجهاضه باقتراح تقدم به الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا، يقضي بإقامة منشأة دولية لتخصيب الوقود النووي «تحت رقابة متعددة الأطراف»، موضحاً أنه «يمكن لكل الدول الوصول إلى هذا الوقود المخصَّب على أساس شروط متساوية وبأسعار تنافسية».
غير أن طهران، وكما ردّت على الاقتراح السعودي، سارعت إلى الإعلان أنها ترحب بالاقتراحات الخاصة بإنشاء مشروعات مشتركة مع دول أخرى للتخصيب، «ولكن إذا كان الشرط هو وقف التخصيب في إيران، فإنها لن تكون مقبولة».
وحجة إيران في ذلك هي أن الدول المسلّحة نووياً مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، تسعى إلى حرمان الدول الأخرى من التكنولوجيا النووية، وتتجاهل الالتزامات المطلوبة منها، وخاصة البنود المتعلقة بنزع السلاح في معاهدات مثل معاهدة حظر الانتشار النووي، بينما تشير دول أخرى إلى أن الأطر القانونية القائمة حالياً لا تتعامل بطريقة مناسبة مع انتشار الأسلحة الصغيرة التي تذكّي الكثير من النزاعات المحلية في أنحاء العالم.
هذه المعطيات جعلت طهران، التي أعلنت أخيراً عن تشغيل 3000 وحدة طرد مركزي، تتمسك بخيار التخصيب الذي بدأت العمل به منذ عام 1985، لأن ما توصلت إليه من إنجازات على هذا الصعيد لا يمكن أن تتخلى عنه بسهولة، ولا سيما أنها دولة ذات إيديولوجية إسلامية، لديها طموحات تتعدى مجالها الحيوي الجيو ـــــ سياسي، وتسعى إلى الاكتفاء الذاتي عبر تأمين مصادر الطاقة، التي أصبحت اليوم من أهم مصادر الشعور بالاستقلالية والقوة، «من دون التسوّل من الغرب».