برلين ــ غسان بو حمد
دخلت ألمانيا «دستورياً» مرحلة الأزمات الداخلية، وفوجئ الناخبون الألمان أمس باستقالة نائب المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، وزير العمل فرانز مونترفيرينغ (الاشتراكي الديموقراطي) من جميع مناصبه في جبهة التحالف «الحزبي»، التي علّلتها وزارة الخارجية بأسباب «محض شخصية وعائلية»، فيما أوضحت مصادر حزبيّة خاصّة أن سببها «مرض زوجته المزمن بداء السرطان».
ومع التقدير الكامل والاحترام لدى الناخبين الألمان للأسباب «العائليّة»، غير أنّ المراقبين لسير الأمور اليومية وللعلاقات المتوترة في جبهة التحالف الحاكم، كانوا يتوقعون هذه الاستقالة، وخصوصاً مع انفراط عقد التحالف «غير المنطقي» والتعايش الممجوج بين «الرأسماليّة والاشتراكية»، من جهة، وداخل هيكلية «الاشتراكي الديموقراطي»، المنقسم على ذاته، بين قاعدة «عقائدية ومثالية» وقيادة «عملانية حكومية»، تبرّر انسياقها وراء «الحزب المسيحي الديموقراطي» بضرورات «العمل وتوزيع المناصب في هيكلية الدولة».
هكذا انتهت أمس «المساكنة السياسيّة» بين حزبين رئيسيّين نقيضين في البعد والأهداف العقائدية، التي دامت 18 عاماً من عمر «الوحدة الألمانية وسقوط جدران التقسيم»، فرضها عامل إنقاذ البلاد والتخطيط «السياسي المبرمج» لتدعيم الدولة الألمانية أرضاً وشعباً، بعد تقسيمها وتغريمها طوال نصف قرن فاتورة الحرب العالمية الثانية.
وابتعاد «القيادي الصارم والرفيق النظامي»، مونترفيريغ، كما يصفه رفاق دربه، عن سدّة القيادة الحزبية والتحالف الحاكم، قد يعكس أزمة صراع داخلي بين القياديّين «الشباب» لـ«الاشتراكي»، وفي طليعتهم وزير الخارجية فرانك شتاينماير، أو ربما رئيس الحزب الحالي كورت بك، الذي يتهيّأ لوراثة رفيقه مونترفيرينغ، في حال تمكّنه من إبعاد شتاينماير.
وفي التعليقات السياسيّة والصحافية وردود الفعل المتواصلة يتبين أن الأسباب الحقيقية لانفراط التكتّل الحاكم، تعود إلى الآتي: أوّلاً، تنامي الخلافات الداخلية داخل «الاشتراكي» والنزاع بين قيادييه على المناصب في الدولة. ثانياً، انقسام هيكلية «الاشتراكي» داخلياً، بين القاعدة والقيادة، وتجلّى هذا الخلاف العمودي بعد إصرار مونترفيرينغ على موقفه الرامي إلى مواصلة الإصلاحات المثيرة للجدل في الأوساط الاشتراكية الديموقراطية الألمانية. واعتبر الإصرار والعناد، في حينه، بمثابة «رفض واضح» لمقترحات كورت بك و«مخاطرة» بإحداث شرخ في أوساط الاشتراكيين الديموقراطيين الألمان، وهذا ما حصل.
ثالثاً، أكّدت تجربة «المساكنة» السياسية في جبهة واحدة بين الاشتراكيّين و«المسيحي الديموقراطي» أنّ هذا الأخير بدأ يميل بشكل أكثر نحو اليسار ويأخذ بذلك بعض مواقفه من «الاشتراكي الديموقراطي» من جانب، ومن جانب آخر «الديموقراطية الاشتراكية» بقيادة أوسكار لافونتين، القائد والنائب المحبوب من الجميع، الذي أخذ يحتكر مواقف اليسار الاشتراكي.
لذلك، فقد أصبحت عملية «إثبات الذات» والمحافظة على هوية «الاشتراكيين» صعبة دفعت بالقيادة الاشتراكية الحالية إلى اللحاق بـ«الحليف ـــــ النقيض» والتماهي عقائدياً معه إلى درجة تهديد «الطبقة العاملة» وتحديداً نقابة «المواصلات» بالإضراب.