strong> معمر عطوي
ليس من المصادفة أن تتجّه أنظار العواصم المهتمة بفرض عقوبات اقتصادية مشددة على إيران، إلى الصين، التي باستطاعتها منع خطوة كهذه من خلال حقها في نقض قرارات الأمم المتحدة بصفتها عضواً دائماً في مجلس الأمن الدولي.
لعل ذلك السبب الرئيسي للزيارة التي يتوقع أن يقوم بها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في 25 تشرين الثاني الجاري إلى بكين، التي شهدت خلال الأشهر الأخيرة زيارات عديدة لمسؤولين إسرائيليين وأميركيين.
ضغوط تمارسها الدول الغربية على التنّين الصيني بهدف تليين موقفه من الأزمة الإيرانية. وهي تأتي في لحظات حرجة، لعل وجهة النظر الألمانية أفضل ما يعبِّر عنها، بإصرارها على توفير إجماع لفرض عقوبات، تدفع باتجاهها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا.
أما الصين فتصرّ، إلى جانب حليفتها روسيا، على أن المحادثات وليس العقوبات هي «الوسيلة لحل النزاع» مع طهران. إصرار تعززه مصالح هاتين الدولتين مع إيران، التي يبدو أنها نجحت، حتى الآن، في الاستفادة منها.
لقد عملت طهران جاهدة، ومنذ سنوات طويلة، على إيجاد بدائل اقتصادية وتجارية للشركات الغربية، في الشرق، ولا سيما في الصين، التي يمكن أن تحلّ مؤسساتها التمويلية ومصارفها مكان المصارف الأوروبية التي تقاطع الجمهورية.
في المقابل، شكلت شهية الصين المفتوحة لمصادر الطاقة الإيرانية حافزاً مهماً لدفع الاستثمارات باتجاه حقول النفط الإيرانية، وإبرام عقود تتجاوز قيمتها المئة مليار دولار.
كما تستعد أكبر ثلاث شركات للطاقة في الصين («سينوبك» و«بتروتشاينا» و«سينوك») لإبرام اتفاقات بمليارات الدولارات لشراء الغاز من إيران.
ويتوقع أن تستورد الصين نحو 10 ملايين برميل يومياً من النفط و30 في المئة من الغاز الإيراني المسال بحلول عام 2030.
ويؤكد مسؤول تنفيذي صيني مشارك في مفاوضات نفطية صعبة (تم الاتفاق على 90 في المئة من بنودها)، تجرى منذ أربع سنوات بين البلدين، أن العلاقة مع إيران تتركز بشكل أساسي على التجارة، وأن السياسة لا تشكل العامل الأهم فيها.
وعليه، تتحدى الصين النظام الدولي للعقوبات، الذي يسمح لواشنطن بمعاقبة الشركات الأجنبية، إذا استثمرت أكثر من 20 مليون دولار في قطاع الطاقة الإيراني.
ويبدو أن بكين أصبحت مقتنعة بأن العقوبات التي تفرض من جانب واحد لا تفيد، لذلك تضغط من أجل الحفاظ على أكبر قدر من مصالحها في إيران، التي وصل حجم التبادل التجاري معها إلى 20 مليار دولار هذا العام. وتشير آخر التقارير الدولية إلى أن الصين هي أكبر شريك تجاري للنظام الإسلامي، الذي قد يصبح ثاني أكبر مزوّد للصين بالنفط.
وثمة مصالح أخرى تمنع الصين من مقاطعة إيران، تتمثل بتجارة الأسلحة وتطويرها، ولا سيما الصواريخ البالستية؛ فقد أصبحت بكين ثاني أكبر مورّد، بعد موسكو، للسلاح إلى طهران، وأبرمت صفقات معها بمئات مليارات الدولارات.
لا شك في أن المواجهة بين إيران والغرب تضع الصين أمام خيارات صعبة؛ فهي لا تريد خسارة مصالحها في إيران، وتتحاشى في الوقت نفسه الصدام مع الولايات المتحدة. وهي، بالتالي، تحاول التوفيق بين هاتين السياستين من خلال دعوتها طهران إلى «القبول بحلول وسط» والتعاون مع القوى الغربية والوكالة الدولية للطاقة الذرية.