باريس ـ بسّام الطيارة
في الوقت الذي كرّر فيه حزب الرئيس نيكولا ساركوزي، «تجمّع الحركة الشعبية»، تلويحه بالنزول إلى الشارع إذا طالت الإضرابات، يكثر الحديث في الأوساط المؤيّدة للحكومة عن «تأفّف المواطنين وعدم فهمهم لأسباب الإضراب». إلّا أنّ هذا لا يخفي تراجع الحكومة وقبولها بالدخول في مفاوضات مع أبرز النقابات العمّالية، رغم إصرارها على أنّه لا رجوع عن هذه «الإصلاحات» الاجتماعيّة. وفي هذا السياق، لم يتردّد مصدر مقرّب من ساركوزي في الإشادة بزعماء النقابات والتنويه بـ«شجاعتهم».
وتمّ التوصّل في الساعات الأخيرة إلى الاتفاق على إجراء «مفاوضات ثلاثية» تشمل النقابات والمؤسّسات الكبرى المعنيّة مباشرة (مثل سكك الحديد والنقل العام)، إضافة إلى ممثّلين عن الحكومة. وقد رأى العمّال في موافقة الحكومة على التفاوض، «محاولة تخصيص للنزاع» ونقله ليصبح بين الشركات من جهة ونقابات العمّال من ناحية ثانية، للتغطية على القوانين الجديدة التي هي أساس النزاع.
وقد تركت أجواء التفاوض أثراً على حركة الإضراب أمس، بحيث تراجعت نسبة المضربين في سكك الحديد والنقل من ٦١ في المئة في اليوم الأول من الإضراب إلى ٣٢ في المئة. إلّا أن وطأة الإضراب لم تتراجع، بل زادت حدّته بسبب «تراكم عقد التأزّم» وبطء عودة العاملين إلى مراكزهم.
وبحسب تحليلات متقاطعة، فإنّه بات واضحاً أنّه يجب الأخذ في الحساب إمكان «الانطلاق بحركة اجتماعية كبيرة» تكون «القاعدة العمّالية» ركيزتها، خصوصاً أنّ العديد من الإشارات يمكن أن تشجّعهم على هذا التوجّه: فاستطلاعات الرأي تشير إلى تراجع شعبية الحكومة وكذلك شعبية ساركوزي، بينما تتحدّث معظم الصحف عن تراجع القوّة الشرائية لذوي الدخل المحدود، يرافقها ارتفاع حادّ في الأسعار لأسباب هيكلية، خصوصاً ارتفاع سعر النفط وتراجع معدلات النموّ بسبب ارتفاع الـ«يورو».
وهنا يكمن تخوف النقابات الكبرى ويفسّر تردّدها الواضح في كيفية إدارة الأزمة؛ فهي تخشى أن يؤدّي ذهابها بعيداً في التفاوض إلى إبعادها عن قواعدها الأكثر راديكالية، والتي كانت وراء إطالة الإضراب حتى اليوم.
ويذكر الجميع أنّ إضراب الشهر الماضي قد «نفّسه» قبول «النقابة العامّة للعمّال» (cgt) المقرَّبة من الشيوعيّين، بالتفاوض، وهذا ما رآه بعض النقابيّين خيانة للعمّال.
وتتخوّف الحكومة جدياً من أن يدوم الإضراب إلى يوم الثلاثاء المقبل، وهو اليوم المعلَن لإضراب موظّفي الإدارة والحقل العام بحيث تكون ثلاث أرباع فرنسا مضربة في الشارع. لكنّ ساركوزي يبدو حتى اليوم مطمئناً إلى السياق الذي تأخذه الحركة الإضرابية.
ويفسّر البعض هذا الاطمئنان بأنّه «طالما ابتعدت الأزمة عن الحقل السياسي» وبقيت في مجال المطالب العمّالية، فهي تظلّ بعيدة عن التأثير على سياسة سيد الإليزيه لإيمانه بأنّ «المجتمع الفرنسي تغيّر»، خصوصاً في ظلّ غياب لافت لأي ردّ فعل سياسي من أحزاب المعارضة، رغم أنّ مرشّحتها للانتخابات الرئاسية الماضية سيغولين رويال كانت قد حذّرت من أنّ انتخاب ساركوزي «يعني نزول فرنسا إلى الشارع».