حيفا ــ فراس خطيب
منذ إقامتها، سعت إسرائيل بشتى الوسائل، إلى تهويد المناطق العربية، من طريق مصادرة أراضي فلسطينيّي 48 وبناء بلدات ومدن استيطانية تضيّق الخناق على السكان الأصليين. إلّا أنّ هذه المؤامرة لم تحقّق نجاحاً مطلقاً. فقد دفع هذا الخناق وقلّة المساحات والشروط المعيشية الصعبة بعض العرب، وخصوصاً من الأزواج الشابة، إلى شراء بيوت في بلدات يهوديّة قريبة من قريتهم، وتحديداً في البلدات الثلاث: نتسيرت عيليت وكرمئيل ومعالوت.
والمدن المذكورة أقيمت أصلاً لتهويد المناطق العربية؛ فنتسيرت عيليت نشأت على أراضي الناصرة، وبنيت كرمئيل على أراضي منطقة الشاغور وكروم، أمّا معالوت فبمحاذاة ترشيحا الجليلية، التي أقيمت بحدّ ذاتها في إطار التهويد.
خلقت تلك الظاهرة، التي ازدادت أخيراً، تخوّفاً إسرائيليّاً من تحوّل المدن اليهودية إلى «مختلطة»، وهو ما يراه بعض المسؤولين «نهاية العالم»، بحيث يدرسون إمكانات أخرى مثل «لجنة قبول» كما هي الحال في البلدات الاستيطانية المحيطة بالقرى العربية.
وفي تقرير أعدّته صحيفة «هآرتس»، أفاد رئيس بلدية نتسيرت عيليت، مناحيم أرياف، بأنّ مشروع بلدته هو «مشروع وطني». وخلال اللقاء معه، أخرج «وثيقة» قديمة جداً يملكها، تُثبت أن نتسيرت عيليت أُقيمت بشكل واضح لتهويد المكان، مشيراً إلى أنّ كاتبها، قائد المنطقة الشمالية في الجيش الإسرائيلي، موشيه تسادوك، عام 1953، قال بشكل واضح «الهدف (منها) إقامة بلدة يهوديّة في الناصرة».
واعترف أرياف بأنّ «المواطنين اليهود حصلوا على هبات غير نهائية، أراضٍ مجانية، ومشاركة في التطوير، ومساعدة في قروض الإسكان». وقال متذمراً: «واليوم يأتون ويبيعون بيوتهم للعرب». وأضاف أنّ جاره باع بيته لعائلة عربية بـ 390 ألف دولار، وانتقل مع عائلته للعيش في أحد الأحياء الجديدة في مدينة رحوفوت حيث «لا يوجد عرب، ولا إثيوبيون، ولا هنود. توجد هناك لجنة قبول، وأنا لا أملك مثل هذه اللجنة في نتسيرت عيليت».
وغضب أرياف على أقوال تفيد بأنّ رئيس بلديّة نتسيرت عيليت سيكون عربياً بعد 20 عاماً، وقال: «سأجلب يهود متدينين حريديّين (متشدّدين) إلى هنا»، غير أنّه أشار إلى قلقه «من أنّ 62 في المئة من أولاد المنطقة الشمالية ليسوا يهوداً»، وأضاف، معاتباً إسرائيل، أن «الدولة تطلق النار على نفسها. على رأسها، ليس على قدميها».
الوضع لا يختلف كثيراً في كرمئيل، حيث كشف مسؤول في بلديّتها لـ«هآرتس» أنّ هناك بين 500 و700 عائلة عربية تسكن المدينة، أي ما يعادل 6 في المئة من سكّانها. فيما تقول نائبة رئيس البلدية، رينا غرينبرغ، إنّ الشبان العرب «الآتين من القرى سيطروا على حدائق كرمئيل، يهدمون ويدمّرون». وأضافت أنّ المركز، الواقع على مدخل المدينة «كلّه بملكية أناس من القرى. يتحدّثون هناك بالعربية فقط. ولا يمنحون اليهود متسعاً للعمل».
وتابعت غرينبرغ أنّه في حال ظلّ الوضع كما هو، فإنّ «مدينتها»، ستصبح مستقبلاً «مدينة مختلطة لكل شيء»، مشيرة إلى أنها «ضيقة»، ومشيرةً إلى أنّ اليهود «المتمكّنين اقتصادياً» يتركون كرمئيل ويحلّ مكانهم أناس من الطبقات الضعيفة وعرب. وإذا بقيت هكذا فستتحوّل كرمئيل إلى «مدينة مختلطة وهذه الحالة هي نهاية العالم».