أرنست خوري
لم تكن الأعوام الـ 32 التي تفصل يومنا هذا عن زمن سقوط النظام الفاشي في إسبانيا، كافية لإزالة آثار حكم الديكتاتور فرانكو، بما يمثّله من تجربة أوروبية عُمِّمَت خلال عقود في القارة العجوز.
وما التظاهرات الحاشدة التي أنزلت الآلاف من اليمينيّين المتطرّفين الإسبان إلى شوارع مدريد في اليومين الماضيَين، في ذكرى وفاة فرانشسكو فرانكو، سوى تأكيد على أنّ سياسات دمج الأجانب التي اعتمدتها أوروبا ما بعد الحرب العالمية الثانية، فشلت بشكل ذريع. فشل لا يضاهيه سوى سقوط مؤسّسة الدولة في العالم العربي.
ولمّا كانت العلاقة وثيقة بين نشوء الأفكار العنصرية في الغرب الصناعي المتطوّر من جهة، وبين تبلور الرأسمالية في دول المركز من جهة ثانية، أمكن الافتراض بأن عولمة رأس المال، ستؤول إلى مزيد من النظريات الثقافوية، التي تجهد لإقناع العقول بأنّ الأزمات البنيوية التي تضرب الاقتصاد الغربي خصوصاً، ليست سوى نتاج منافسة تفرضها يد عاملة «رخيصة»، آتية من الشرق «المظلم». شرق وصفه الرئيس جورج بوش ذات مرة بأنه منبع لـ«اسلام فاشي».
ليست مصادفة أن تكون حركة فرانكو في عشرينيات القرن الماضي وثلاثينياته، قامت على ثنائية إلغاء نقابات العمّال، ورفض كل ما هو «غريب»، أي غير إسباني. ثنائيّة معطوفة على نبذ قيم الجمهورية، في خيار كان تقدّمياً في مطلع القرن العشرين، من حيث توزيع أكثر عدالة للثروة، وبالتالي للسلطات السياسية، وتحرير قانون الانتخابات من قيود وشروط الجنس والوضعية الاجتماعية وامتلاك الثروة والنسب العائلي...
في اسبانيا اليوم، التي يحكمها «يسار ناعم» لا يفرّقه عن حكومات اليمين الشيء الكثير، أكثر من أزمة، من أبرزها أنّ الجنّات الضريبية التي أنشئت في بعض جزرها، حرمت خزينة الدولة المليارات من العملات الصعبة، لمصلحة طبقة معولمة من أصحاب رؤوس الأموال.
أمّا التبعات فتُلقى على كاهل شباب عربي محروم من جميع القدرات والفرص في بلاده. إنّها حلقة مفرَغة تدور فصولها في إطار يتخطّى حدود شبه الجزيرة الإيبيرية: فقر وديكتاتوريّات وأمراض واستغلال في دول الأطراف، تولّد عقد نقص لدى شباب مهاجر من هذه «الأطراف»، تلاقيها أفكار وعصبيات ما قبل وما بعد حداثوية، لتكون النتيجة عنفاً مجّانياً معولماً، يحرف الاهتمام عن مخاطر لا تميّز بين جنوب الكرة الارضية وشمالها، ولا بين غربها وشرقها، أو مركزها وأطرافها.
في الأمس، فقدت دولة مغمورة في جنوب شرق آسيا اسمها بنغلادش، ما يزيد على 10 آلاف من أبنائها كانوا يعيشون في منازل من قشّ وطين، في غضون يومين. حصل ذلك بسبب إعصار يُجمع علماء الأرصاد على أنّه، نظراً لحجمه التدميري الهائل، ليس فيه من الصدفة الطبيعية شيء، بل هو في جزء رئيسي منه، ناتج من تغيّر مناخي، باتت عناوينه تُختَصَر بالاحتباس الحراري، الذي تسبّبه أساساً مصانع دول المركز الرأسمالي.