أرنست خوري
هل يمكن أن يرأسها حزبي يجيد الانكليزية والفارسية بالاتقان نفسه؟

جمعت حكومة نوري المالكي منذ تأليفها، مجموعة تناقضات شملت أشخاص وزرائها، كما برنامجها التي سُمّيَت على أساسه، «حكومة وحدة وطنيّة».
وبما أنّ موضوع عودة الكتل المنسحبة إلى الوزارة بات ميؤوساً منه، ومع عجز الأميركيّين عن إيجاد بديل كفء للمالكي على رأس حكومة جديدة تستطيع إنجاز رزمة الشروط الأميركيّة التي استحال على رئيس حزب الدعوة الإسلاميّة تحقيقه (تمرير قوانين النفط والمصالحة الوطنية وتعديل قانون اجتثاث البعث وكركوك...)، برزت اقتراحات عديدة في السوق السياسية العراقية، تدور معظمها حول مخرج عنوانه العريض «حكومة تكنوقراط» لا تضمّ حزبيّين.
وفي هذا السياق، طُرحَت مبادرات عديدة؛ فالبعض رأى أنّ الحلّ الأمثل يكون في تقليص عدد الوزارات، ما يفرض إعادة تأليف الحكومة كاملة من تقنيّين غير محسوبين على جهات سياسية، يكون لرئيسهم كلمة الفصل، وهو ما يراه المالكي مناسباً.
والبعض الآخر يرى أنّ الأنجع يكون في ملء المقاعد الشاغرة، أي تعيين شخصيات سنية عربية وأخرى شيعية مكان وزراء «جبهة التوافق العراقية» والكتلة الصدرية، على أن ينال الوافدون الجدد رضى هذه الكتل من دون أن يكونوا منتسبين إليها.
أمّا ما بات واضحاً، فهو أنّ الكتلة التي لن تُؤخَذ بالحسبان عند الاتفاق على أحد هذين الخيارين، فستكون كتلة «القائمة العراقية» التي يرأسها رئيس الحكومة الانتقالية الأولى في عراق ما بعد صدّام حسين، إياد علاوي. والسبب في ذلك، أنّ العراق، بعدما «تلبنن» بعد 2003 واختُصرَت مكوّناته في هويّتها الطائفية والمذهبيّة والقوميّة، بات يُصَوَّر على أنه لا يسير على الصراط المستقيم، إلا بإرضاء هذه المكوّنات. أمّا «قائمة» علاوي، التي مُنيَت أخيراً بانشقاقات طالت نخاعها الشوكي، فهي تُعرَف على أنّها «الكتلة العلمانية» في البلاد. بالتالي، فإنّ وزراءها الأربعة المستقيلين، لا يُحسَبون على طائفة أو قوميّة معيّنة. هكذا يصبح من المنطقي جدّاً، أن يكون الهمّ في تسمية وزراء جدُد، هو نيل بركة ممثّلي سنّة البلاد المشاركين في العملية السياسية من جهة، وعدم إغضاب التيار الصدري، الذي لا يجرؤ المالكي ومختلف القوى على إنكار ما يمثّله من وزن شعبي ونيابي كبيرين.
غير أنّ معضلات ليست بهامشيّة ستواجه الذهاب نحو خيار هذا المشروع التكنوقراطي، أهمها الآتي:
ـ أوّلاً، إنّ النظام العراقي الجديد هو بحسب دستور عام 2005، فدرالي برلماني. بالتالي، فإن كان الأميركيّون والإيرانيّون يجهدون للإبقاء على متانة وضع المالكي سياسيّاً، فإنّ الأشهر الأخيرة أثبتت أنه ليس الشخصية الأقوى التي تملك مفاتيح الربط والحلّ. والدليل هو أنّ الحكومة سبق لها أن أقرّت مشاريع واقتراحات قوانين النفط والغاز، وتعديل اجتثات البعث، وقانون الانتخابات المحليّة، كما شكّلت لجنة وزارية لتنفيذ المادّة 104 الخاصّة باستفتاء كركوك والمناطق المختلطة الأخرى، وأحالتها إلى البرلمان ليصوّت عليها وتدخل حيّز التنفيذ. وهناك كانت المصيبة التي حالت، ولا تزال، دون أن ترى هذه القوانين المهمّة للغاية النور.
فالدستور العراقي، يفرض شرط الغالبيات الموصوفة للتصويت على القوانين «الحسّاسة». ويصبح عندها التعطيل حقّاً دستورياً بيد الكتل «المعارضة»، حقّاً استنفدته وتتقن الاستفادة منه منذ فترة.
والسبب في ذلك، أنّه من أصل النواب الـ275 المشكّلين للندوة البرلمانية، لا يملك التحالف الحاكم الذي يجسّده ما بقي من «الائتلاف العراقي الموحّد»، و«التحالف الكردستاني»، غالبيّة الثلثين، بل إنّ هذا التحالف بات يستجدي رحمة المعارضين الذين يملكون نصيباً من عدد النوّاب يكاد يوازي نوّاب السلطة.
ـ ثانياً، في اقتراح حكومة تكنوقراط يرأسها المالكي، تناقض كبير، أشار إليه قبل أسبوعين نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي. فالمالكي رئيس حزب شيعي كبير، ومن المعروف أن الرجل لا يزال في منصبه في المنطقة الخضراء، بسبب إتقانه اللغتين الانكليزية والفارسيّة بالدرجة نفسها تقريباً، أي لأنه استطاع الجمع بين نفوذي واشنطن وطهران في بلاده على قاعدة أنّ الشخص المطلوب على رأس السلطة التنفيذية شيعي «معتدل». فكيف يُطلَب أن يكون وزراء حكومة عراقية مستقبلية غير متحزّبين، ورئيسهم حزبي حتّى العظم؟
ـ ثالثاً، حسناً فعل المالكي عندما قرّر إجراء اختبار لمشروع الوزراء التكنوقراط، ليتحسّس مدى محدوديته وفعاليته؛ فجاءت «تجربة» تسمية وزيري الزراعة علي البهادلي، والصحة صالح مهدي الحسناوي قبل أسبوعين مثالاً للفشل. لقد باع ممثّلو «جبهة التوافق» والكتلة الصدرية المالكي التطمينات المجّانية عندما أبلغوه عدم نيّتهم وضع «فيتو» على المشروع. ولمّا جاء وقت الجدّ، وقفوا في مجلس النواب وأعطوا رئيس المجلس محمود المشهداني عريضة رفض للإسمين.