بغداد ـ الأخبار
قواعد «طويلة الأمد» وامتيازات اقتصادية وحماية من الانقلابات... ومن إيران

دخل العراق منذ يوم أمس مرحلة جديدة من التحضير لما بعد الاحتلال، وذلك بتوقيع «إعلان مبادئ» بين الرئيس الأميركي جورج بوش ورئيس الحكومة العراقيّة نوري المالكي. «إعلان» جرى توقيعه بسرعة فائقة، إذ لم تلبث أن كشفت بعض الوكالات عن أنّه سيتمّ «في غضون أيّام» نقلاً عن نائب الرئيس عادل عبد المهدي، حتى أعلن البيت الأبيض أنه حصل فعلاً مساء أمس.
ويهدف الإعلان، بصيغته التي كُشف عنها، إلى التحضير لنوع جديد من العلاقات مع الولايات المتّحدة، والمجتمع الدولي عموماً، من ناحية إخراج العراق من وصاية «الفصل السابع» من شرعة الأمم المتّحدة، الذي يخضع له منذ غزو الكويت عام 1990.
كما يفتح «الإعلان» «غير الملزم» جولات مفاوضات رسميّة بين البلدين تستمر لمدة عام. ومن المقرَّر أن تنتهي بتوقيع اتفاقية طويلة الأمد بين الدولتين قبل 31 تموز المقبل، وهو موعد خفض عديد قوّات الاحتلال الأميركي من العراق، بحسب الجدول الزمني الذي وضعه سيّد البيت الأبيض في أيلول الماضي.
ويهدف «إعلان المبادئ» إلى تنظيم العلاقة المستقبلية بين البلدين من النواحي السياسية والأمنية والاقتصادية، التي ستحمل امتيازات كبيرة جدّاً، بينها الإبقاء على 50 ألف جندي أميركي في قواعد خارج المدن السكنية، «لحماية النظام العراقي من التدخّلات الإيرانية، كما من محاولات الانقلاب التي من الممكن أن تحصل مستقبلاً»، حسبما أعلنه مساعد بوش لشؤون العراق، الجنرال دوغلاس لوت.
وكان وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري قد شرح في وقت سابق المبادئ الأساسية للاتفاقية لبعض النوّاب تمهيداً لإعلانها رسمياً. وقال إنّ «إعلان المبادئ يتعلّق بالعلاقة العراقية ـــــ الأميركية فقط، وإنّ الاتفاقية ستُعرَض على مجلس النوّاب بكل تفاصيلها لاحقاً».
وانهمك مجلس الرئاسة ورئاسة الوزراء، خلال اليومين الماضيين، بإعداد صياغة تُرضي جميع الأطراف لمبادئ الاتفاقية، التي علمت «الأخبار» أنّها كان «من المتوقَّع أن تُعرَض أوّلاً على المرجعية الدينية في النجف»، فيما أعطى المجلس السياسي للأمن الوطني الحكومة تفويضاً بصياغتها لعرضها على مجلس النوّاب. وبحسب وكالة «أسوشييتد برس»، فإنّ البنود ستضمن بقاءً طويلاً للقوّات الأميركية في بلاد الرافدين، ومعاملة تفضيلية وامتيازات واسعة النطاق للاستثمارات الأميركيّة وضمانات أمنيّة للحؤول دون قيام انقلابات داخليّة ضدّ الحكم العراقي.
وكشف مسؤولون عراقيون، للوكالة نفسها، عن أنّ الهدف المنشود عراقياً من الاتفاقية «الشاملة» هو جعل التمديد السنوي لمهمّة «القوّات المتعدّدة الجنسيات» في العراق المرتقَب العام المقبل، الأخير من نوعه، قبل انسحابها وتسليم السيادة للحكومة العراقيّة.
بدورها، أقرّت السفارة الأميركية لدى بغداد، على لسان المتحدّثة باسمها ميريمبي نانتونغو، بأنّ المسؤولين العراقيّين عبّروا عن أملهم منذ آب الماضي بإعلان اتفاق كهذا لإنهاء وصاية مجلس الأمن عن بلادهم. ووصفت موقف واشنطن من هذه الرغبة بأنه «موافقة كاملة». وكان عبد المهدي قد ألمح أوّل من أمس إلى وجود نيّة لتوقيع اتفاقية من هذا النوع «تعيد للعراق كامل أوجه سيادته ومصادر ثرواته بشكل تصبح علاقات العراق مع الدول الأخرى متساوية وندية». ورأى أنّ من شأن هذه الاتفاقية أن تسمح لبلاده بأن «تنشئ علاقات مع دول عديدة كما ترتئي بما يضمن مصالحها وسيادتها»، مؤكّداً أنّ حكومته ستعلن «في غضون أيّام إعلان نيات» مع الجانب الأميركي بهذا الخصوص.
غير أنّ مصادر الوكالة كشفت عن أنّ مناقشة أفكار الاتفاقية جرت أول من أمس في جلسة مغلَقة دامت 3 ساعات وجمعت عدداً من النوّاب العراقيّين، حيث ظهرت معارضة الكتلة الصدرية لها.
وقبل إعلان توقيع «الإعلان»، قال النائب عن الائتلاف العراقي الموحَّد، الشيخ جلال الدين الصغير، «إنّ هناك ضرورة لعقد اتفاقات أمنية، لأنّ نهاية السنة ستحمل نهاية الوجود الأجنبي حسب البند السابع للأمم المتحدة، وبذلك لا بدّ من علاجات».
أمّا النائب عن «القائمة العراقيّة الموحّدة»، أسامة النجيفي، فعبّر عن رفض كتلته عقد أي اتفاقية أمنية من جانب الحكومة من دون الرجوع إلى مجلس النواب وعرضها على الشعب.
في المقابل، حذّر النائب محمود عثمان عن التحالف الكردستاني من أن «طرح هذه الأمور على الإعلام قبل مناقشتها سيولّد خلافات بين الساسة العراقيين، وسيولد ثقافة الردّ والردّ الآخر». ولفت النائب عن «جبهة التوافق العراقية» سليم عبد الله إلى أنّ دخول الحكومة العراقيّة في اتفاقية أمنية شبيهة مع واشنطن «يجب أن يحصل على إجماع وطني، لكون المسألة ترتبط بمستقبل العراق ولها نتائج كبيرة على البلد».