باريس ـ بسّام الطيارة
تغيّر المناخ الإضرابي في فرنسا؛ فقد عاد عمّال قطاع النقل مؤقّتاً إلى مهماتهم اليومية، فيما تستعدّ الشوارع لاستقبال الطلبة الذين أعلنوا أنّ اليوم سيكون «يوم تحرّك عام» والخميس المقبل يوم تظاهر.
ورغم تغيّر شريحة المعترضين على سياسة الحكومة، وتغيّر نوعية المطالب التي يحملها طلّاب الجامعات والمدارس الرسمية، إلّا أنّ أسلوب مواجهة المسؤولين لهذا التحرك بقي على حاله، ولا يزال يعتمد على ما بات «ماركة مسجّلة سياسيّاً» للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي: فرّق تَسُدْ.
فخلال الحملة الانتخابية، شقّ اليمين المتطرّف باستلاب طروحاته الأكثر تطرّفاً من دون أي تردّد. وفور وصوله إلى القصر، باشر «ساركو» تطبيق هذا التكتيك تحت تسمية «الانفتاح»، فشقّ الحزب الاشتراكي، أكبر أحزاب المعارضة، بتسمية عدد من «أقطابه» في وزارات كبرى، ومن أبرزهم: برنار كوشنير، وأقرب مساعدَي سيغولين رويال، إيريك بسون، وجان بيار جويي. وحتّى لا «تقوم قائمة» للحزب الاشتراكي، دعم أحد أقطابه دومينيك شتروس كان لمنصب إدارة صندوق النقد الدولي.
وقد طبّق هذا التكتيك أيضاً مع النقابات العمّالية في «أوّل مواجهة جديّة» لساركوزي في نزاع اجتماعي أنزل الآلاف إلى الشارع؛ ففتح باب التفاوض مع زعماء النقابات، مستعملاً «لغة عسليّة» ساهم نفوذه في وسائل الإعلام بتسليط الأضواء عليها وإبرازها كإشارات انفتاح ورغبة بالتفاوض والمشاركة باتخاذ القرارات، بينما كانت الرسالة الواضحة عملياً هي «عدم التراجع» عن الإصلاحات التي أدّت إلى نزول العمّال إلى الشارع واستنفار الإضراب.
وقد ساهم هذا التكتيك بنشر الشقاق بين النقابات وظهر جليّاً من خلال «التراجع اليومي لعدد المضربين» بالتزامن مع تقدّم «عروض التفاوض»، ما جعل الانقسام بين قاعدة النقابات وزعمائها يتصدّر صفحات الإعلام ويساهم في تخفيف حدّة الموجة الإضرابية، قبل أن تنطفئ لتدخل غرف التفاوض بعيداً عن الإعلام وعن تأثير القاعدة العمالية التي عادت إلى أعمالها.
ويتكرّر الأمر اليوم مع الحركة الطلابية حيث باتت المواجهة الحقيقية بين اتحادات الطلبة «المستعدّة للتفاوض» مع الحكومة وبين «لجنة التنسيق» المنبثقة عن الجمعيّات العموميّة في الجامعات والثانويات التي تجتمع يوميّاً لإقرار التحرّك والخطوات اللازمة.
فقد أعلنت الوزيرة فاليري بيكريس استعدادها لفتح باب التفاوض «حول بعض النقاط»، وهو ما وافقها عليه «اتحاد الطلبة الفرنسيّين»، أكبر الاتحادات الطلّابية. إلا أنّ لجنة التنسيق أعلنت في اجتماع عام مساء يوم الأحد «سحب الصفة التمثيلية» للاتحاد، في ما يتعلّق بقرار تعليق الإضراب الذي يجب أن «يعكس قرارات الجمعيّات العمومية للطلبة» فقط. كما تطالب اللجنة بـ«سحب» القانون الذي يحمل اسم الوزيرة، وترفض الوعود الفضفاضة «التي تمرّ من وراء المضربين».
ويرى مراقبون أنّ الحكومة ستنتظر يومي التحرّك المقبلين لقياس موازين القوى، وما إذا كانت الاتحادات الطلّابية التي تتفاوض معها «قادرة على كسر شوكة» حدّة الحركة الإضرابية كما حدث مع عمّال النقل. ويضيف هؤلاء: إنّ أصعب ما يقف في وجه استعمال تكتيك «فرّق تسد» في مواجهة الحركة الطلابية هو «توزّع» الجمعيات العمومية في شتّى أنحاء فرنسا وبُعدها عن مراكز القرار الطلابية، ما يعطيها استقلالية يصعب «تدجينها»، الأمر الذي قد ينذر بنزاع طويل قد يدوم حتّى عُطل أعياد نهاية السنة.