حسام كنفاني
الغاية السورية المعلنة من المشاركة في المؤتمر الدولي في أنابوليس هو «امتحان» الجديّة الأميركية والإسرائيلية في استئناف المفاوضات على المسار السوري ـــــ الإسرائيلي، الذي توقّف عملياً بعد القمّة الشهيرة بين الرئيس الراحل حافظ الأسد والرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون في جنيف عام 1999.
الهدف السوري إلى الآن لا يبدو أن له ما يبرره، باستثناء التصريحات الإسرائيلية المتفرقة عن أهمية بث الروح في المسار السوري لغايات إسرائيلية خاصة بعيدة عن «الغاية السلمية» السورية، ولا سيما أن أي موقف إسرائيلي لم يصدر لإعلان الالتزام بالمطالب السورية.
فمنذ بداية الحركة في المسار التفاوضي السوري ـــــ الإسرائيلي منذ مؤتمر مدريد عام 1991، مرّ هذا المسار بعدد من المراحل والمحطات، التقى خلالها الوفدان السوري والإسرائيلي في واشنطن وأجريا جولات عديدة من المفاوضات، حضر بعضها رئيسا أركان الجيشين السوري والإسرائيلي آنذاك حكمت الشهابي وإيهود باراك، وأدى إلى اتفاق على إقامة منطقة منزوعة السلاح على الحدود بين الجانبين، وإنشاء مناطق آمنة، وإقامة مراكز للإنذار المبكر، إضافة إلى إيجاد آلية للإشراف على هذه الترتيبات.
ولم يلبث هذا المسار أن تجمّد بعد وصول «الليكودي» بنيامين نتنياهو إلى رئاسة الحكومة، ليعود إلى نشاطه بعد تسلّم إيهود باراك السلطة في عام 1999. وشهد منتجع شيبردزتاون لقاء تاريخياً بين باراك ووزير الخارجية السوري آنذاك فاروق الشرع، وافق خلاله باراك على استئناف المفاوضات من آخر نقطة وصلت إليها.
إلا أن شيبردزتاون شهدت أيضاً بداية العقبات، بعدما قدّمت الإدارة الأميركية للمتفاوضين «وثيقة عمل»، إلا أن الوفد السوري قدّم رزمة تعديلات تمحورت حول الانسحاب الكامل من الأراضي السورية المحتلة وإزالة المستوطنات الإسرائيلية ومحطة الإنذار المبكر في جبل الشيخ، إضافة إلى المياه. ولم تفلح محاولات كلينتون تقريب وجهات النظر بين الطرفين.
وإلى اليوم لا تزال القيادة السورية تتمسّك، في حديثها عن السلام، باستئناف المفاوضات من النقطة التي انتهت عندها، إضافة إلى الإقرار بـ«وديعة رابين» قاعدةً للانطلاق، لأن هذه «الوديعة» تمثّل التزاماً إسرائيلياً رسمياً بإعادة الجولان المحتل إلى سوريا. وتنص «الوديعة»، التي تؤكّد مصادر أميركية وسورية أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحق رابين سلّمها عام 1993 إلى وزير الخارجية الأميركي وارن كريستوفر، على «تطبيع العلاقات الدبلوماسية والتجارية والسياحية تطبيعاً كاملاً بين سوريا وإسرائيل وتبادل السفراء بعد تنفيذ المرحلة الأولى من الانسحاب الإسرائيلي من الجولان»، و«موافقة سوريا على أن يتم الانسحاب من الجولان خلال فترة تمتد حتى خمس سنوات»، و«موافقة سوريا على ترتيبات أمنية جديدة مع إسرائيل تشمل قيام الأميركيين بإدارة محطات إنذار مبكر في الجولان، وموافقة سوريا على ضمان حاجات إسرائيل من مياه بحيرة طبريا».
و«الوديعة»، التي رأى فيها الرئيس السوري الراحل حينها «تعهداً مهماً جداً»، حظيت ببعض الملاحظات السورية، أهمها رفض التطبيع و«إقامة علاقات عادية»، على أن يتم الانسحاب من الجولان خلال أشهر.
«الوديعة» و«النقطة التي انتهت عندها» لم تجد لها أي مكان إلى اليوم في الحديث الإسرائيلي الإعلامي والرسمي عن المسار السوري. و«الجديّة» التي تبحث عنها دمشق لم تظهر بعد، إلا إن كانت القنوات السريّة أغنت عما هو مطلوب علناً.