رام الله ــ أحمد شاكرغزة ــ رائد لافي
حيفا ــ فراس خطيب

شغل «أنابوليس» أمس الشارع الفلسطيني المنقسم على نفسه جغرافياً وسياسياً، وانعكس هذا الانقسام على مواقف أبنائه، فلم تكن هناك رؤية موحّدة لأعمال المؤتمر الدولي ونتائجه، حتى بين الأشقّاء.
فالتوأمان حسن وحسين العامر (24 عاماً) من مدينة جنين لم يتفقا في تفسير الرابح والخاسر من المؤتمر. ويرى حسن، المنتمي إلى حركة «الجهاد الإسلامي»، أن المؤتمر «مضيعة للوقت ولا يفيد الشعب الفلسطيني بالمطلق وأنه مقدمة لضرب إيران وسوريا، ولجرّ الدول العربية والإسلامية المشاركة فيه إلى التطبيع المجاني مع إسرائيل». ويضيف «نحن خاسرون من وراء هذا المؤتمر، وليس لنا أن نفكر حتى في دولة فلسطينية من دون القضاء على المقاومة وسحقها والعمل كحراس للأمن الإسرائيلي، حينها يمكن أن يعطونا دويلة صغيرة نعيش فيها ما بقي لنا من عمرنا».
أما شقيقه حسين، العضو في حركة «فتح»، فيرى أن «مجرد عقد المؤتمر فيه مصلحة كبيرة للشعب الفلسطيني وللتذكير بالقضية الفلسطينية الغائبة منذ فترة نتيجة الحروب المتكررة على ما تسميه أميركا الإرهاب». واستبعد أن يقدّم الرئيس محمود عباس تنازلات لإسرائيل خلال المؤتمر أو بعده.
ويوافق الشاب محمد عويص (28 عاماً) من مدينة طولكرم، حسن، ويقول إن «المؤتمر مقدمة لموافقة ومباركة عربية لحرب مقبلة تعتزم إدارة بوش تقوية نفسها فيها بعد الخسارة الكبيرة التي منيت بها في العراق وأفغانستان وفشل إسرائيل في لبنان».
إلا أن الموظفة الحكومية، سهير تيسير (34 عاماً) من مدينة رام الله، متفائلة بالمؤتمر الدولي، وترى أن «أنابوليس فرصة سياسية حقيقية يجب اغتنامها للبحث في قضايا الحل النهائي ووقف الاستيطان وحق العودة». وأشارت إلى أن «الفلسطينيين يمكن أن يستفيدوا من المؤتمر بشكل أكبر إذا كانوا موحدين ومتفقين على البرامج السياسية».
وفي غزة، لم تكن المواقف مختلفة؛ فالشاب علاء الحمايدة، الذي «لا يرى ضيراً في المشاركة الفلسطينية»، يقول إن «تخوف البعض من انابوليس ليس في محله ولم يأت بسبب مخاوف حقيقية، وإنما لدوافع حزبية يعرفها الجميع». إلا أنه لا يتوقع أن يفضي المؤتمر إلى استرجاع الحقوق الوطنية «لكنه سيتيح منبراً للقيادة الفلسطينية لتذكير العالم بها».
ويدرك الشاب نافذ عاشور، الذي يعمل حارس عقار، أن دولة الاحتلال «لن تعيد لنا القدس ولن تسمح بعودة اللاجئين ولن تطلق سراح الأسرى»، ومع ذلك فإنه يرى أنه «لم يكن بوسع الرئيس محمود عباس رفض الدعوة الأميركية للمشاركة في المؤتمر». ويتساءل «إذا كانت دول عربية كبرى لم تجرؤ على رفض المشاركة في المؤتمر، فكيف لنا أن نفعل ذلك؟».
وبعكس الحمايدة وعاشور، لا يرى المهندس أسامة البسيوني مبرراً لقيادة السلطة للمشاركة في المؤتمر «ما دام لن يفضي إلى استرجاع الحقوق الوطنية»، متهماً القيادة بتضييع الوقت بدلاً من استغلاله في العمل على رفع الحصار ودعم المقاومة. ورأى أنه «كان من الأولى لملمة الوضع الفلسطيني الداخلي، واستئناف الحوار الوطني والمصالحة بين حركتي حماس وفتح».
أحد أنصار حركة «حماس» أجرى تعديلاً على اسم المؤتمر، وقال: إنه مؤتمر «أنا إبليس». وأضاف: إن «هذا المؤتمر يأتي تتويجاً لسلسلة من التنازلات المؤلمة التي قدمتها قيادة المنظمة والسلطة على حساب حقوقنا في فلسطين التاريخية منذ مؤتمر مدريد، ومروراً بكل المؤتمرات والمفاوضات».
وبدا التشاؤم واضحاً لدى العجوز الثمانيني الحاج عودة عدوان. وقال إن «أبو مازن يشارك في مراسم دفن القضية الفلسطينية، وتدمير القدس وحق العودة». وتوقع أن يوافق عباس على «الفتات» الذي ستعرضه عليه أميركا وإسرائيل. وأضاف بعصبية «قد يتنازل عباس عن حقوقنا، لكنه لن يجبرنا على القبول بذلك»، ملوّحاً بمفتاح بيته القديم. وقال إن «هذه الأرض ستلفظ عباس والاحتلال وكل المساومين».
في المقابل، يرى فريق من الفلسطينيين أن «السياسة توجع الرؤوس وتشتت التفكير، والأفضل ألا يتحدثوا فيها وأن يعيشوا حياتهم كما أرادها لهم الله»، ومنهم سائق التاكسي جابر في طولكرم، الذي قال لـ«الأخبار» إنه «لا يهتم بالسياسة، فقط يريد أن يعود آخر النهار إلى أطفاله بالمال لكي يستطيعوا أن يعيشوا حياة كريمة».
وفي غزة أيضاً، ردّت ربّة المنزل إنعام نصر الله على سؤال «الأخبار» حول توقعاتها من المؤتمر، بالقول «لا أهتم بالسياسة، ولا يعني لي المؤتمر الكثير»، لكنها عبرت من حيث لا تدري عن رأي كثير من المراقبين في خصوص النتائج المرجوة «أعتقد بأن الطبخة تقريباً جاهزة».
ولم تكن حال فلسطينيي 48 أفضل من نظرائهم في غزة والضفة الغربية. وقال مسنّ في حي وادي النسناس الحيفاوي «كالعادة، منذ سنوات ونحن نعيش مؤتمراً جديداً وقمة جديدة، كل مرة نفس الكلام والصداع». ورأى الطالب الجامعي، أحمد، أن «أنابوليس ستكون اسماً آخر يستعمله الناس مستقبلاً. قبل أنابوليس وبعد أنابوليس». وأضاف «علينا نحن الفلسطينيين أن نعقد قمة لوحدنا من أجل أن نتفق أولاً بيننا وبين أنفسنا».
أما أم محمد، من سكان حي الحليصة، فقالت ببساطة «نحن نأمل أن يحصل سلام في هذا المؤتمر».