معمر عطوي
يبدو أن الخلافات السياسية الداخلية في إيران قد تجاوزت الحقل الاقتصادي و«النووي» لتلامس الجانب القضائي، حيث أصبحت السلطة الثالثة عرضة لتجاذبات سياسية فاضحة بين الرئيس محمود أحمدي نجاد وخصميه في خط «الاعتدال»، الرئيسين السابقين محمد خاتمي وأكبر هاشمي رفسنجاني.
جوهر الخلاف هو قضية المفاوض النووي السابق حسين موسويان، الذي خضع لتحقيق مطوَّل وأوقف لبضعة أيام في أيار الماضي بتهمة إفشاء معلومات نووية، قبل أن يُفرج عنه بكفالة.
خلاف استعر في اليومين الماضيين بعدما أعلن القضاء أول من أمس وقف ملاحقة موسويان بتهمة التجسس وحيازة وثائق سرية، مخالفاً بذلك رأي حكومة نجاد، فيما لا تزال التهمة الثالثة «الدعاية ضد النظام» تلاحقه.
وبدا واضحاً حرص نجاد على عدم تحقيق خصومه لأي نصر في هذه القضية، حينما سارع أمس إلى تأييد موقف وزير الاستخبارات، غلام حسين محسني إيجائي، الذي جدد التأكيد، رغم قرار القضاء، أن موسويان نقل معلومات رسمية إلى سفارات أجنبية، مبدياً استعداده لنشر تفاصيل عن القضية.
وكانت هذه الخلافات قد طفت على سطح المشهد السياسي الإيراني، عندما انتقد نجاد القضاء، للمرة الأولى منذ توليه السلطة في آب 2005، متهماً إياه بتسييس «قضية التجسس النووي».
واتهم الرئيس الإيراني موسويان بأنه «بطل» هذه القضية، مشيراً إلى أنه زود السفارة البريطانية في طهران بمعلومات سرية، وعقد 15 لقاءً على الأقل مع غرباء، ومطالباً بكشف محتويات هذه اللقاءات على الملأ.
وما يؤكد وجود هذا الخلاف السياسي، حديث نجاد عقب اجتماع لمجلس الوزراء أمس عن أن «المسألة ليست فنية (قانونية)، بل سياسية». ومرد البعد السياسي فيها يرجع إلى أن المتهم كان قد عمل مع الرئيسين السابقين خاتمي ورفسنجاني، اللذين لا يريد أي منهما إدانة موسويان بالتجسس، وخصوصاً أن حدة التنافس بين التيارين المحافظ والإصلاحي ـــــ المعتدل، تزداد تأججاً قبل أشهر قليلة من الانتخابات التشريعية المقررة في آذار المقبل.
ولعل ما يدل على حجم الانشقاق بين التيارين، انتقاله إلى الشارع، حيث تجمع طلاب جامعيون إسلاميون أمام مقر السلطة القضائية للاحتجاج على قرار «تبرئة» موسويان، الذي كان الرجل الثاني بعد كبير المفاوضين في فريق التفاوض النووي السابق حسن روحاني (2001ـــــ2005).
وللخلاف «النووي» مسيرة طويلة بدأت مذ وافقت حكومة خاتمي على وقف عمليات تخصيب اليورانيوم لمدة سنتين، بخلاف موقف المحافظين الذين يصفون أي موقف في هذا الاتجاه «خيانة» وطنية، مسوِّغين صحة مواقفهم هذه بأن الطاقة النووية حق لإيران، وبأن وقف التخصيب لم يحظ بثمن مقابل من دول الغرب يخدم البلاد.
من المفيد التذكير هنا بأن نجاد، الذي يعتبر أول رئيس «يتحدى» السلطة القضائية المقربّة من المرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي، كان قد دعا مراراً إلى استقلال هذه السلطة عن التدخلات السياسية، وصعَّد من موقفه في هذا الاتجاه حين اتهم الرئيسين السابقين، من دون أن يسميهما، بممارسة ضغط على القضاة للحيلولة دون إدانة موسويان بالتجسس.
تندرج تبرئة موسويان في سياق لعبة شد الحبال بين نجاد والإصلاحيين. هي نقطة لمصلحة هؤلاء الذين يتهمون الرئيس المحافظ باستفزاز الغرب في «الملف النووي» وبفشل السياسة الاقتصادية. لذلك، بدا نجاد، ومن ورائه الاستخبارات التي لا تزال ـــــ على ما يبدو ـــــ إلى جانب المحافظين، حريصاً على عدم تمتع خصومه بهذا الإنجاز النسبي، متهماً إياهم بـ«الخونة.. الذين مارسوا ضغوطاً على القاضي لتبرئة جاسوس».
ولم يبتعد وزير الاستخبارات عن هذه الأجواء حين أكد تصريحات نجاد بقوله إن «العديد من الأشخاص النافذين طلبوا من القاضي» الإفراج عن موسويان، الذي ظهر في 12 تشرين الثاني إلى جانب رفسنجاني خلال اجتماع انتقد فيه الأخير ضمناً السياسة النووية التي يعتمدها نجاد.
ثمة قضية أخرى، تشير إلى حجم تأثر القضاء الإيراني بالتباينات السياسية، تتمثل بقرار القضاء فتح دعوى جديدة في مقتل المصورة الكندية ـــــ الإيرانية زهرة كاظمي، خلال اعتقالها في إيران في عام 2003.