باريس ـ بسّام الطيارة
عاد قبطان السفينة؛ هذه فحوى الرسالة الإعلامية التي أراد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إمرارها في مداخلته التلفزيونية أوّل من أمس. منذ أسابيع، والغيوم تتلبّد في الأفق السياسي للعهد الجديد: تسعة أيام من الإضرابات التي شلّت المواصلات إلى جانب حركة طلابية احتجاجية لا تزال تحت الرماد وتظاهرات لموظّفي الدولة والعاملين في القطاع العام ونزول القضاة والمحامين إلى الشوارع للاحتجاج على تغيير «الخريطة القضائية»، وإلغاء عدد كبير من المحاكم.
وقد تكلّلت هذه الحركات المناهضة لبرنامج ساركوزي «الإصلاحي»، باشتعال ضاحية فيلييه لو بيل، والخوف من امتداد أعمال الشغب إلى الضواحي الأخرى لغياب إصلاحات وعد بها ساركوزي. حدث كل هذا والرئيس غائب على غير عادته عن الواجهة الإعلامية. إلا أنّ الرئيس عاد مجدّداً وعاد كما كان، يحمل خطاب التحدّي أمام الأزمة ليعد بإكمال طريق «القطيعة» التي وعد بها في برنامجه الانتخابي والتي شدّد مراراً على أنه «انتُخب للقيام بها».
بدأ الرئيس مداخلته التلفزيونية بالشؤون الأمنية وأنهاها بالأمن «وضرورة الاقتصاص من الذين أطلقوا النار على رجال الشرطة»، مستعملاً لوصف ما حدث في الضاحية المنكوبة خطاباً قاسياً لم يتردّد خلاله عن وصف المشاغبين بأنهم «زعران»، وأنّه ليس هناك أي عذر لما قام به «شباب الضاحية».
إلّا أن لب المداخلة كان «الهاجس المعيشي» للفرنسيّين الذين يرون منذ أشهر، قوّتهم الشرائية تتراجع بشكل تتفاقم معه لقمة عيشهم اليومية. وقدّم ساركوزي مجموعة طروحات تفتح الأبواب واسعة أمام حملة اعتراضات جديدة. ويصف بعض المحلّلين استراتيجية ساركوزي بـ«الصدامية»، فهو في كل مرة تعترضه أزمة لا يحاول المناورة واستيعاب الضربة بل «يذهب مباشرة لمواجهة الاعتراض، والبحث عن تصادم مباشر مع المعترضين».
ومن أبرز ما أعلن عنه في مداخلته، عمله على تسهيل عملية استئجار الشقق من جانب الطبقات الفقيرة. إلّا أنّ كل ما يقترحه هو «ربط الإيجارات بمؤشّر ارتفاع الأسعار» وهو مطلب أساسي لأصحاب العقارات.
كما أنّه سوف يسعى إلى إقرار قانون يسمح بالعمل يوم الأحد «لمن يريد» على أن يُضاعف أجر العمل في هذا اليوم. وهذا أيضاً مطلب لأصحاب المحالّ الكبرى التي تسعى إلى الحصول على ترخيص بالعمل في أيام العطل. وهو ما ترى القوى العمالية أنّه تراجع في الحقوق الاجتماعية وعودة إلى الوراء وهضم للحقوق العمالية بعطلة تطبَّق على الجميع.
أمّا بالنسبة إلى الجامعات، فهو وعد بضخّ 5 مليارات يورو لتحسين عملها ردّاً على اتهامه بالرغبة في تخصيص الجامعات. وتتخوّف بعض الأوساط القريبة من الجسم الجامعي من أن تكون هذه الاستثمارات «تجميلية» لتحسين «سعر» الجامعات قبل الخوض في عملية تخصيصها، وهو ما حصل في العديد من الحالات. إلّا أن البعض يرى في هذا الطرح محاولة «لضرب الطلبة بالعمّال»، إذ إنّ العمّال وقسماً كبيراً من الفرنسيّين يعارضون تخصيص الشركات الكبرى التي تقدّم الخدمات الأساسية إلى المواطنين مثل شركة الكهرباء، بينما يطالب الطلبة بتحسين أحوال الجامعات.
لم يتغيّر الرئيس، فهو لا يزال مستعداً للنزال، مستعدّاً لاستعمال كل التكتيكات التي سبق له أن استعملها في الصراع السياسي مع اليسار وأيضاً مع اليمين قبل أن يضع يده عليه. وهو في المناسبة لم ينسَ «غريمه» جاك شيراك، ولم يستطع أن يمنع نفسه من توجيه سهم إليه ردّاً على سؤال عن تهم الفساد التي وجّهها إليه القضاء حيث أجاب بنوع من التشفّي: «من المؤسف أن القضاء يأتي دائماً متأخراً».