برلين ــ غسان أبو حمد
تمثّل الجولة الأفريقيّة التي تقوم بها المستشارة الألمانيّة أنجيلا ميركل، حلقة جديدة من تمظهر التنافس على ثروات القارّة السوداء. وإن جاءت عناوين الزيارات على شاكلة «دعم حقوق الإنسان» و«مساندة الدول الأفريقيّة الديموقراطيّة»، إلّا أنّ منحى أكثر أهميّة يبرز، أساسه «الحدّ من النفوذ الصيني»، الذي يمثّل لعبة جيوسياسيّة يسعى الاتّحاد الأوروبي إلى كسبها


يرفض مكتب المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، اعتبار زيارتها إلى إثيوبيا وجنوب أفريقيا وليبيريا، وليدة الصدفة الزمنية أو مناسبة دبلوماسية للتعاطف وتقديم الدعم؛ ففي العودة إلى أرشيف العلاقة بين برلين والقارّة السوداء، يتبدّى بوضوح أن عنوان الزيارة هو «معركة حضور أوروبي لوقف التمدّد الصيني والحدّ من هيمنة الدعم المالي والسياسي والعسكري، على قيادات القارّة الفقيرة».
ويتبنّى التحالف الحاكم في ألمانيا الرأي الداعي إلى ضرورة أن تأخذ أفريقيا قراراتها السياسية وتوجّهها المستقبلي بذاتها، بعيداً عن ضغوط المساعدات الماديّة المشروطة، رغم حاجتها الماسّة إليها. ويتوّج صلب المحادثات خلال الزيارات عنوان تقليدي يتمحور حول «قضايا حقوق الإنسان».
ويضع المكتب الإعلامي لميركل الدول الثلاث التي تزورها في خانة «الدول الأفريقية التي قرّرت ولوج طريق الديموقراطية في برامج الإصلاح والتقدّم»؛ فليبيريا خرجت من الحرب الأهلية الدامية منذ فترة قصيرة وأقرّت برنامج حكم ديموقراطي، أدّى إلى وصول إلين جونسون ـــــ سيرليف إلى سدّة الرئاسة، وهي المرّة الأولى التي تصل فيها امرأة إلى هذا المنصب في أفريقيا.
أمّا جنوب أفريقيا، فقد نجحت، بفضل اقتصادها المستقرّ، في أن تكون الشريك الأقوى لألمانيا في القارّة السوداء. وقد أعربت ميركل، عن سعادتها بلقاء رئيسها السابق، الحائز «نوبل» للسلام، نيلسون مانديلا. كما أن إثيوبيا أدت دوراً مهماً في «دعم خطط السلام والديموقراطية» باعتبارها مقراً لقيادة «الاتّحاد الأفريقي».
بدأت ميركل الجولة في أواسط الأسبوع الأوّل من الشهر الجاري، تحت عنوان «دعم الدول الأفريقية التي تتحمّل مسؤولياتها في محاربة الفساد». عنوان يشير بوضوح، وبحسب تعابير بيانات مكتب المستشارة، إلى «ضرورة تولّي أفريقيا زمام أمور مستقبلها بيدها، وحتمية مكافحة الفساد وتحسين أداء القيادات الحكومية واستغلال المال بشكل أكثر فعالية».
وتكتسب الجولة، من حيث توقيتها الزمني، أهمية مزدوجة؛ فهي تتمّ بعد أشهر قليلة من قمّة مجموعة دول الثماني الكبار في هايليغندام، التي نجحت فيها المستشارة في وضع قضايا القارّة الأفريقية في صدارة جدول الأعمال. وهي تقع بعد أسبوع على لقاء الدول المانحة في برلين، وهو اللقاء الذي أقرّ رسمياً برامج مساعدات للقارة السوداء، تستند إلى عنوانين: الأوّل، تقديم برنامج مساعدات بقيمة 60 مليار دولار لمكافحة أمراض الإيدز والملاريا والسلّ. والثاني، تأكيد قمّة الدول الصناعية تعهّدها زيادة مساعداتها التنموية لأفريقيا بنسبة 0.7 في المئة من إجمالي دخلها القومي مطلع عام 2015. وإلى جانب هذه «المكتسبات»، تعهّدت الحكومة الألمانية، من ناحيتها، رفع قيمة مساعداتها التنموية لأفريقيا إلى 750 مليون يورو، بدءاً من مطلع العام المقبل.
ويرى الخبراء الاقتصاديّون أنّ دولاً كبيرة مثل الصين قد بدأت تركّز الاهتمام على القارة الأفريقيّة، وهم يشيرون في تقاريرهم وتحليلاتهم، إلى أنّ «الهدف الحقيقي» الكامن وراء زيارة ميركل، لا ينحصر بتقديم المساعدات الإنسانية والدعم السياسي فقط، بل يتركّز على وضع حدّ لـ «التمدّد» الصيني. ويلفتون إلى أهميّة القمّة الصينية ـــــ الأفريقية التي استضافتها بكين في العام الماضي، والتي أظهرت الأهمية الكبيرة التي توليها الصين لعلاقاتها بالقارّة الأفريقية. وفي هذا السياق، تؤكّد الدراسات الصحافية السريعة، التي واكبت الزيارة، على ضرورة إدراك أهمية هذه القارّة كـ«مموّل للطاقة وسوق عمل للمستقبل».
وتشير بعض الدراسات إلى إمكان استضافة الدول الأفريقية مصانع فرعية للشركات الألمانية. وتطالب هذه الدراسات بضرورة «تغيير النظرة الاقتصادية الأوروبية» تجاه أفريقيا ونظرة الريبة إلى الدور الصيني في تلك القارّة، وذلك بسبب طبيعة الصفقات الصينية الرامية إلى شراء المواد الخام الأفريقية فقط.
وفي السياق، توضح ميركل، في أكثر من تصريح صحافي، طبيعة «الخوف الأوروبي من التمدّد الصيني في أفريقيا»، وتؤكّد «أننا ننظر بعناية إلى هذه العلاقة، لأنّنا قلقون من أن المواد الخام الأفريقية تُباع في بعض الأحيان من دون تلبية مطلب التجارة العادلة».
وفيما أظهرت القمّة الصينية ـــــ الأفريقية الأهمية الكبيرة التي توليها الصين لعلاقاتها بالقارّة الأفريقية، تسعى البرتغال، التي ترأس الدورة الحالية للاتحاد الأوروبي، إلى عقد قمة أوروبية ـــــ أفريقية مماثلة في كانون الأوّل المقبل في لشبونة.
يُذكر أنّ الاتحاد الأوروبي هو الشريك التجاري الأكبر لأفريقيا. فقد بلغ إجمالي حجم التبادل التجاري بين الجانبين أكثر من 200 مليار يورو (283 مليار دولار) في العام الماضي. غير أنّ الصين رفعت ترتيب علاقاتها التجاريّة مع أفريقيا واحتلّت المركز الثالث في العام الماضي، حيث بلغ حجم التجارة بين الجانبين 43 مليار يورو. كما عزّزت الصين الاستثمار في القارّة السوداء، كما أعلنت الأسبوع الماضي تقديم قرض قيمته 5 مليارات دولار إلى جمهورية الكونغو الديموقراطية.
فهل تنجح البرتغال، في تذليل العقبات الأوروبية والأفريقية معاً، التي لا تزال حتى الآن، تعترض اللقاء الأوروبي ـــــ الأفريقي؟
جميع خطط عقد قمّة بين الاتحاد الأوروبي وأفريقيا تعثّرت في الماضي، بسبب رفض القارّة العجوز، وتحديداً بريطانيا، توجيه دعوة إلى رئيس زيمبابوي، روبرت موغابي، للمشاركة في القمّة، بحجة تزويره الانتخابات وقمعه المعارضة. وفي المقابل، هناك إصرار القادة الأفارقة على عدم المشاركة في أيّ قمة يغيب عنها «الرئيس الأفريقي» موغابي.