سانتا كلارا ــ بسام القنطار
أخبار المعجزات لا تغري مدينة سانتا كلارا، لكن سكانها تناقلوا بسرعة البرق «خبرية» قبل أيام قصّة الحمامة البيضاء التي حطت على رأس التمثال الضخم للمناضل الأممي أرنستو غيفارا المقام في ساحة تضم المقبرة التي نقل رفاة تشي إليها ليدفن مع العشرات من رفاقه الذين استشهدوا في بوليفيا وكوبا وغيرهما من دول أميركا اللاتينية.
الحمامة البيضاء رفضت التحليق وبقيت على رأس التمثال، فلم تزحزحها ضوضاء التحضيرات لاحتفال الذكرى الـ40 لاستشهاد تشي.
40 سنة على استشهاد تشي، أشياء كثيرة تغيرت في كوبا والعالم، لكن بريق الذكرى لا يزال متوهجاً في سانتا كلارا. ثمة زمن مضى إلى حتفه من دون رجعة. لكن الشعب الكوبي، ورغم ظروف الحصار الجائر التي يعيشها، زحف بالآلاف إلى سانتا كلارا ليقدم تحية الوفاء إلى المقاوم الذي حرر هذه المدينة وسط كوبا.
من كان في ضيافة «تشي» لم يشعر بأن زمنه غريب عنه. هو ليس زمناً متخيّلاً يعاد تركيبه. كل شيء في كوبا يخبرك أن «تشي» لا يزال حاضراً. الناس الذين سهروا حتى الصباح في الحديقة العامة. عربة الخيل التي نقلت الركاب في الأزقة الضيقة، القطار الذي حرفه تشي عن سكته قاطعاً خطوط الإمداد عن عسكر «باتيستا» وفاتحاً سكة الثورة التي لم تنحرف بعد رغم سقوط كل ما من حولها من ثورات ومعسكرات وأحلاف.
ثمة زمن حاضر ومتحرّك في آن تعيشه كوبا، يمكن أي مراقب أن يعيش وسط حراكه. لكن كوبا لا تتعاطى مع غيفارا باعتباره ابن الزمن الماضي. أطفال لم يتجاوزا سنواتهم العشر الأولى وقفوا لارتداء الوشاح الأزرق إيذاناً ببدء مرحلة جديدة من حياتهم على خطى تشي ونهجه. «نحن لا نعرف ماذا ينتظرهم»، تقول ممثلة الشبيبة الكوبية في الحفل. وتضيف «مثلما فعلنا نحن سوف يفعلون. هؤلاء الأطفال بدأوا بالالتزام تماماً كما بدأ تشي ببساطه وكبر». وتتابع «لا أحد يستطيع أن يتجاوز تشي لكن نحن نسعى لنكون على مثاله». وتضيف «أشبال من أجل الشيوعية» «جملة نكررها كل يوم، لكن يجب أن نتذكر دائماً أنها لا يمكن أن تعبّر عما نشعر به إذا لم نربطها بالفعل. وإذا لم نفكر في أن مضمونها يعني أن نتنفس هواءً نقياً بعيداً عن الرأسمالية والامبريالية».
فيديل لم يشارك في الحفل، لكن الجمهور كان يهتف «أين ما كنت فيديل فقط أمرنا فيديل». فيما كانت مكبرات الصوت تردد صوته وهو يقرأ وصية تشي اليه التي يقول فيها «أكثر ما يؤلمني يا فيديل هو أنني لم أثق بك كما تستحق منذ البداية».
«تأملات» فيديل في ذكرى تشي، التي تليت في الاحتفال، كانت قصيرة على غير عادته. قال فيها: «لقد ترك لنا تشي الأناقة في الكتابة والتفكير السلوك. كان يقاتل عنا ومن أجلنا».
تأملات قصيرة، ربما، عملاً بقول تشي في وصيته: «أشعر بأن لا لزوم للكلام. الكلام لا يمكن أن يعبر عما يختلج في نفسي وأبداً لا لزوم لتعبئة الورق. إلى النصر دائماً... الوطن أو الموت ... سننتصر».