strong>بعد إقرار البرلمان التركي بغالبيّة كبيرة، أمس، للقانون الذي يجيز للجيش القيام باجتياح الحدود العراقية، بدا واضحاً أنّ رئيس الحكومة رجب طيّب أردوغان بات يستند على تفويض سياسي وشعبي مكّنه من تجاهل الدعوات الدولية والأميركيّة والعراقيّة التي وصلت إلى حدّ «التوسّل» بغية عدم شنّ الهجوم الشامل، وسط تسريبات أفادت بأنّ نوري المالكي عرض على نظيره التركي القيام بعمليّة مشتركة ضدّ حزب العمّال الكردستاني أقرّ البرلمان التركي، أمس، قانون تفويض الجيش مهمّة اجتياح شمال العراق بغالبية 526 صوتاً، في مقابل 19 صوتاً معارضاً، معظمهم من النواب الأكراد، من أصل 550 يؤلّفون العدد الإجمالي للمجلس. وجاء في المذكرة أنّ الحكومة ستحدّد توقيت العملية وهدفها، كما عدد القوّات المشاركة فيها. وركّز قانون التفويض على احترام الأراضي العراقيّة وعلى أنّ أيّة اجتياحات عسكرية داخل الحدود لن تكون موجّهة إلا ضدّ حزب العمّال الكردستاني.
وعلى الفور، أكّدت حكومة إقليم كردستان العراق أنّ قرار التدخل العسكري «سيقضي على استقرار المنطقة بأسرها». أما رئيس برلمان الإقليم عدنان المفتي فقد عبّر بدوره عن اعتقاده بأنّ تركيا «تريد استهداف التجربة الكرديّة في الإقليم من خلال عملية التوغّل المحتملة»، وذلك خلال الجلسة البرلمانية التي عقدها لبحث التهديدات التركية الأخيرة.
وتزامن موعد انعقاد الجلسة البرلمانيّة التركيّة مع توقيت المؤتمر الصحافي للرئيس جورج بوش الذي شدّد على أنّ بلاده أبلغت أنقرة «بوضوح تام بأنّه من غير مصلحتها أبداً أن تنفّّذ تهديداتها في التدخّل العسكري في العراق». وأضاف «في واقع الأمر، لهم قوّات متمركزة في العراق منذ بعض الوقت، ولا نعتقد بأنّ من مصلحتهم إرسال مزيد من القوات».
وقال بوش إن بلاده تشدّد في المحادثات مع تركيا على أنها متفهّمة لبواعث القلق التركية بخصوص «المتمردين» الأكراد، «لكنّ ثمّة سبلاً لمعالجة المسألة أفضل من قيام الأتراك بإرسال قوات كبيرة إلى العراق».
غير أنّ الرئيس الأميركي أرفق كلامه برسالة جديدة وجّهها إلى أعضاء الكونغرس الأميركي بضرورة عدم التصويت على قانون «الإبادة الجماعيّة» للأرمن المنوي طرحه للتصويت قريباً. لكنّ أردوغان أوضح، لشبكة «ان تي في» التركيّة الخاصّة، أنّ «ما يهمّه هو قرار البرلمان لا ما يقوله الآخرون»، وذلك في ردّ على سؤال عن تصريحات بوش.
وكان مدير العمليات في رئاسة أركان الجيوش الأميركية الجنرال كارتر هام قد حذّر في وقت سابق أمس من أنّ العراق «سيدافع عن سيادته الوطنية بجدّية»، مستدركاً أن ذلك لا يعني أن تساعد قوات بلاده العراقيّين في الدفاع عن أراضيهم. وأضاف «إذا فشلت الدبلوماسية، فسنقوّم الوضع ونقرّر على المستوى السياسي الطريقة الأفضل لمعالجته».
من جهة ثانية، أوضح مسؤول في مكتب أردوغان أمس مضمون المكالمة التي أجراها معه رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي والتي دامت نصف ساعة. ونفى مكتب أردوغان ما نقلته وكالة أنباء الأناضول عن أنّ الاتصال تضمّن عرضاً عراقيّاً لأردوغان بأن يقوم البلدان بعملية عسكرية مشتركة ضدّ المتمرّدين الأكراد. وكانت الوكالة قد نقلت عن المالكي قوله لنظيره التركي «امنحونا فرصة أخرى، فلننفّذ عملية مشتركة لو استدعى الأمر».
أمّا مكتب المالكي فقال إنّ رئيس الوزراء عبّر عن تفهّمه لمعاناة تركيا من النشاطات «الإرهابية» وعن حرص الحكومة العراقيّة على منع مثل هذه النشاطات لهذه المنظّمة على الأراضي العراقية، وأهمية استمرار الحوار بين الجانبين. كما أشار إلى أنّ أردوغان رحّب بالوفد العراقي الأمني والسياسي الذي أرسله المالكي إلى أنقرة لحلحلة الأزمة.
وفي السياق، كشفت «وكالة الأخبار العراقية» أمس أنّ الإدارة التركية قدّمت إلى الجانب الأميركي في اللجنة المشتركة، قائمة بأسماء الأكراد العراقيّين الذين تعتبر أنقرة أنهم داعمون للعمليات «الإرهابيّة» للعمال الكردستاني. ونشرت الوكالة بعض الأسماء/ من بينها مسرور البرزاني نجل مسعود البرزاني، والنائب في البرلمان الحالي محمود عثمان.
وتزامنت هذه التطوّرات مع تلميح نائب رئيس الجمهورية العراقية طارق الهاشمي، في ختام زيارته إلى أنقره، أمس، إلى وجود بوادر إيجابية جديدة لاحتواء الأزمة. وقال الهاشمي «حصلت على ما كنت أريده من المحادثات»، مشيراً إلى أنّه طلب من تركيا بعض الوقت الإضافي لتسوية المشكلة. وأضاف «إذا لم تتمكن الحكومة العراقية من القيام بمسؤولياتها، فسيحقّ لتركيا عندئذ أن تفعل ما هو ضروري لحماية مصالحها».
غير أنّ ردّ أردوغان لم يتأخّر، فاعتبر أنّ بلاده «لم تعد قادرة على تحمّل خسارة المزيد من الوقت».
في المقابل، أعرب الرئيس العراقي جلال الطالباني، في ختام لقاء مع نظيره الفرنسي نيكولا ساركوزي ووزير الخارجية برنار كوشنير في قصر الإليزيه أمس، عن أمله في «أن تكون حكمة صديقنا رئيس الوزراء (التركي رجب طيب) كافية لمنع حصول تدخّل عسكري»، داعياً حزب العمّال الكردستاني إلى وقف المعارك والنشاطات العسكرية «لأن الحكومة المحلية (الكردية) والشعب الكردي لن يقبلا بها».
إلى ذلك، كشف مصدر دبلوماسي عربي في القاهرة أمس عن وجود توتّر في العلاقة بين الحكومة العراقية والجامعة العربيّة على خلفية الموقف من غزو تركي محتمل لشمال العراق. وقال دبلوماسي في الجامعة العربية إنّ «عدم طلب العراق حتى الآن من الجامعة أن تدين التدخّل التركي في شمال العراق دليل على رفض حكومة كردستان العراق أن تكون جزءاً من الأمّة العربية». إلّا أنّ دبلوماسياً عراقياً رفض «ادّعاءات» زميله، وشدّد على أن الجامعة العربية «تعرف كيف تتحمّل مسؤولياتها من دون انتظار الطلب العراقي».
(الأخبار، أ ب، أ ف ب، ، يو بي آي)