حيفا ــ فراس خطيب
يجريهــا «صنــدوق إيفيرســت» بتمويــل مليارديــر يهــودي أميــركي وبــلا رقابــة سلطــة الآثــار


فيما ينصبّ الاهتمام الإعلامي على الحفريات الإسرائيلية عند «باب المغاربة» المؤدي إلى الحرم القدسي في القدس المحتلة، تقوم جمعية يهودية بحفريات سريّة «خاصة» على بعد ثمانين متراً من «الباب» بحثاً عن «الهيكل».
وذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت»، في تحقيق نشرته أمس، أن الحفريات «محصّنة مثل مفاعل نووي لتخصيب اليورانيوم»، واصفة الوضعية بأنها «عبوة ناسفة تهدّد بانفجار الوضع مجدداً».
وكانت وسائل إعلام عديدة قد نشرت قبل عامين عن أعمال الحفريات المذكورة. وقالت، في حينه، إنّه «مقابل الحفريات إلى الأعماق، هناك حفريات من الأطراف باتجاه الشرق»، أي باتجاه المسجد الأقصى، وهو ما ينكره المرتبطون بالقضية. وحتى سلطة الآثار، المسؤولة عن كل شبر حفريات في الدولة العبرية، ادعت بأنها «لا تستطيع فعل شيء». وعلّقت هذه السلطة على الحفريات الجديدة بالقول إنها تابعة لـ«جمعية خاصة»، وهي «المخوّلة الوحيدة، بسماح أو عدم سماح لأحد بالدخول اليها».
المكان سري للغاية، لا أحد يعرف ما يجري في الداخل، وعندما اقترب مندوبو الصحيفة من الباب المؤدي إلى العقار الذي تتم منه الحفريات، خرج رجل إسرائيلي في الخمسينيات من العمر، وبدأ يصرخ بالروسية ويوبخ مصور الصحيفة بقوله «هل أنت اسرائيلي؟ هل أنت يهودي؟ أنا لا أصدق أنك يهودي أصلاً. إذا أتيت لتصور هنا، فمن ناحيتي أنت لست إسرائيلياً. أنت من السعودية». وعندما حاول المصوّر سؤال الرجل «ماذا تبنون هنا؟»، رد بالقول «نبني ملجأً للعرب».
إلا أن مندوب الصحيفة نشر ما استطاع مشاهدته خلال نظرة خاطفة عبر الباب. وقال «هناك سقوف خشبية عالية تستعمل كجسور للمشي فوق الحفر العميقة، التي تشبه بئراً سوداء في وسط ما كان يدعى ذات يوم متجراً».
الوصول إلى منطقة الحفريات الحديثة ومشاهدة ما يجري بقي مهمة شبه مستحيلة. حاولت الصحيفة بشتى الوسائل الوصول ونيل تصريح لذلك، إلا أن كل المحاولات باءت بالفشل. وطلبت «يديعوت» مساعدة عالم اثار يدعى مئير بن دوف، الذي اشتكى إغلاق الموقع. وقال «بدل من أن يفتحوا الموقع، يغلقونه وكأنه مفاعل نووي. لكن هنا ليس ديمونة».
وقالت إحدى المتحدثات باسم سلطة الآثار الإسرائيلية إن هذه السلطة «لا تستطيع تقديم يد العون لمعرفة ما يجري». وتابعت أن العقار «تابع لصندوق ايفيرست، وهو المخول الوحيد بإعطاء تصريح بالزيارة».
و«صندوق ايفيرست» اسم ليس غريباً عن مجريات الحفريات في البلدة القديمة في القدس المحتلة. يقف وراءه مليونير يهودي أميركي يدعى ارفين موسكوفيتش، لا يخفي نياته في ما يتعلق بالبلدة القديمة في القدس المحتلة، لشراء عقارات وتوطين اليهود هناك.
موسكوفيتش ليس وحده. هناك جمعيات يهودية أخرى تسعى إلى الغرض نفسه، في مقدمتها جمعية «عطيرت كوهانيم»، التي يروّج مسؤولوها لـ«الصهيونية الدينية».
وقال مئير مرغليت، الناشط في لجنة «مناهضة الهدم»، إن «عرب القدس المحتلة يرون دائماً تصدعات في جدران السور المحيط بالأقصى وفي بلاط الباحة، في أعقاب الحفريات»، مضيفاً إنه «من الممكن ألّا يكون هذا صحيحاً، لكن يكفي أن تسري شائعة كهذه لإشعال الشرق الأوسط».
وهناك، من المناهضين للحفريات، من هو متأكد من أن الجمعيات اليهودية تبعث طلاباً متدينين ليتعلموا علم الآثار في الجامعة العبرية في القدس الغربية، لتقوية نفوذها في سلطة الآثار لتنفيذ «نياتها وإيديولوجيتها».
ما يتوارده الناس والإعلام عن الحفريات في البلدة القديمة، لم يأت صدفة؛ ففي أيار الماضي، أعلن رئيس سلطة الآثار الاسرائيلية، يهوشوع دورفمان، أنها «تنوي ادارة تسعة مواقع حفريات في البلدة القديمة»، مشيراً إلى أن تمويل هذه المشاريع منح من «جمعية يمينية متدينة».
من يناهض الهدم يدرك أنّ هذه الممارسات أتت لتقوية «الزحف اليهودي للبلدة القديمة». ومن يقترب من القدس المحتلة يدرك أنّ المستوطنين والجمعيات اليهودية الساعية إلى تهويد المدينة «يحفرون أنفاقاً إلى المسجد الأقصى».
أهالي القدس مستعدون للقسم بأنهم يسمعون أصوات الحفريات وضجيج أجهزة الحفر تحت سطح القدس العتيقة. وحتى الآن، الإسرائيليون لم يثبتوا عكس ما يرويه المقدسيون.