موسكو ــ حبيب فوعاني
وسط «أزمة العلاقات المفتعلة» مع موسكو، يبدو أنّ رئيس جورجيا، ميخائيل ساكاشفيلي، لا يترك مناسبة من دون أن يستغلّها لتأكيد تحالفه مع واشنطن وبروكسل، والتذكير بمشكلات بلاده للحصول على المساعدات الاقتصادية الغربية، إذ تعاني هذه الجمهورية السوفياتية السابقة أزمة اقتصادية تجبر نصف قواها العاملة على العمل في روسيا. وكذلك الحصول على المساعدات العسكرية، ومن ضمنها الإسرائيلية. إلّا أنّه، وباعتبار أن لكلّ شيء ثمنه في اللعبة السياسية الدولية، كان لا بد من مقابل تدفعه تبليسي، تجلّى في إبداء مظاهر «الجود»، وأحدها الوجود العسكري المتنامي في العراق.
رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون أعلن أخيراً أن عديد القوّات البريطانية المرابطة في منطقة البصرة، سيخفض إلى 3500 عنصر قبل نهاية العام الجاري، على أن تنسحب بالكامل بحلول نهاية العام المقبل. وقررت الدانمارك ولاتفيا أيضاً سحب قواتهما بالكامل من هذا البلد. كما نفّذ الرئيس الأوكراني، فيكتور يوتشينكو، وعده الانتخابي لمواطنيه، في ضوء الاستقطاب السياسي الذي تعيشه البلاد، وسيسحب قوّاته من بلاد الرافدين. كذلك، قامت بولندا بخفض عدد مشاتها إلى 500 جندي.
أمّا تبليسي فتسعى إلى زيادة عديد قوّاتها. وفيما لم يتعد العسكريّون الجورجيّون في العراق 900 جندي (600 منهم في بغداد و300 في بعقوبة، بين عامي 2003 و 2006)، أعلن ساكاشفيلي، في آذار الماضي من طوكيو، زيادة عددهم إلى ألفي مجنّد من جيشه المتواضع تجهيزاً وإعداداً وعديداً. وبذلك، تكون جورجيا الدولة الوحيدة التي وافقت على خطط الرئيس الأميركي جورج بوش لزيادة عدد القوّات «المتعددة الجنسيّات» في بلاد الرافدين.
وهكذا، أصبحت القوّات الجورجية الثالثة بعددها بعد القوات الأميركية والبريطانية في العراق. ومع الانسحاب البريطاني المرتقب وخفض عديد القوّات الأخرى، يمكن التنبؤ بأن قوات الاحتلال في العراق ستصبح «أميركية ـــــ جورجية». وما يعزّز هذه المقولة هو أنّ كييف أكدت غير مرّة استعدادها لملء الفراغ، الذي سيحدثه الانسحاب البولندي المرتقب.
لكن، ما هي أسباب سلوك جورجيا؟ وما هي بواعث طموحها لأداء هذا الدور الملحوظ في العراق؟ ترى تبليسي ارتباطاً وثيقاً بين مهمّة قوّاتها هناك و«مصالح جورجيا الأمنية»، وبعبارة أخرى تعوّل على تقريب موعد انضمامها إلى «حلف شمال الأطلسي». وقد وافق الكونغرس الأميركي في 17 آذار الماضي على انضمام أوكرانيا وجورجيا إلى الـ«الأطلسي»، وعلى اعتماد 10 ملايين دولار لتهيئة جورجيا للانضمام إلى الحلف. كما تعوّل تبليسي أيضاً على حلّ مشكلتي الجمهوريّتين الانفصاليّتين، أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، وإعادتهما إلى بيت الطاعة الجورجي بواسطة واشنطن وبروكسل.
كذلك، حين أرسلت الولايات المتحدة خبراءها العسكريّين إلى جورجيا بعد «ثورة الورود» عام 2003 لتدريب القوّات المسلحة، لم تكن تعدّها للدفاع عن أمنها وأراضيها فحسب، بل لتصبح طعماً للمدافع في النقاط الساخنة في العالم، بما فيها النائية عن القوقاز. وهكذا، فالجبن المجاني، وخصوصاً الأميركي، يوجد فقط في مصيدة الفئران، كما يقول المثل الروسي.