حسام كنفاني
قراءة في غزل مبارك وعباس لـ«حماس»


حفلت الأيام الماضية بموجة من التصريحات، من الممكن إدراجها في خانة «الغزل غير المباشر»، صدرت من القاهرة ورام الله بحق حركة «حماس»، في خطوة تمثل تطوراً مفاجئاً في علاقة الرئيسين حسني مبارك ومحمود عباس مع الحركة الإسلامية في أعقاب سيطرتها على قطاع غزة في حزيران الماضي.
الموقف المصري والفلسطيني انحدر من قمّة التشدّد إلى بعض اللين، وإن كان أبو مازن لا يزال يطالب «حماس» بالاعتذار عن «انقلابها على الشرعية» في قطاع غزة؛ فهو أدرجها كأحد أطراف الحلّ النهائي المرتقب باعتبارها «جزءاً أساسياً من الشعب الفلسطيني»، وهو ما شاركه فيه مبارك في مقابلته مع صحيفة «دير ستاندارد» النمساوية.
التحوّل في الموقفين الفلسطيني والمصري لا يمكن فصله عن مسار تحضيرات مؤتمر السلام المجهول الموعد والبرنامج والنتائج، ولا سيما أن التقليل من التوقعات بشأنه باتت سمة التصريحات الإسرائيلية والأميركية، وهو ما لا يتطابق مع الرغبة الفلسطينية ـــــ المصرية، وخاصة أن السلطة الفلسطينية في رام الله كانت تعوّل في المرحلة الأولى من إعلان المؤتمر على إنجاز ما تقدّمه إلى الشعب الفلسطيني تبرّر به خطوات «نزع الأسلحة»، التي كانت بدأت بها حكومة سلام فياض فور تسلمها السلطة التنفيذية في الضفة الغربية.
الرهان الفلسطيني ترافق مع تهليل من محور «الاعتدال العربي» بالخطوة الأميركية. إلا أن هذا الترحيب ما لبث أن انقلب إلى تحذير من «خطورة فشل المؤتمر الدولي»، وهي جملة دأب الرئيس المصري على ترديدها في الفترة الأخيرة، ولا سيما أن الانعكاس الأول للفشل سيكون داخل الأراضي المصرية، وخصوصاً في المناطق المحاذية لقطاع غزة في شبه جزيرة سيناء، التي تشهد حركة ناشطة لقبائل البدو، إضافة إلى تغلغل تنظيم «القاعدة»، الذي استهدف في أكثر من مناسبة المنتجعات السياحية المطلّة على البحر الأحمر.
وبناء عليه تدرك القاهرة أن أي فشل جديد في مسار السلام، سيكون أثره سلبياً على أمنها القومي، عبر إذكاء التيارات الرافضة لنهج التسوية، وفي مقدمتها التيار الإسلامي، الذي يخوض معركة سياسية مع النظام المصري. لذا يبدو أن القاهرة بدأت تتنصّل من أي فشل مرتقب للمؤتمر على قاعدة «أنا قلت»، التي يشتهر بها الرئيس مبارك منذ حرب الخليج الأولى عام 1991.
التنصّل المصري ترافق مع تلويح أكثر من مرة بمقاطعة المؤتمر الدولي، وهو ما لم تحسمه أيضاً السعودية، التي عمد وزير خارجيتها الأمير سعود الفيصل على إبقائها بعيدة، على الأقل في العلن، عن مسار تحضير ملف المشاركين، على اعتبار أن «المملكة ليس لديها أراض محتلة»، وبالتالي فهي ليست ملزمة بالحضور.
الطرف الثالث في «محور الاعتدال»، وهو الأردن، يبدو أن «أمنه القومي» يلزمه الارتباط كلياً بـ«وهم» المؤتمر الأميركي، إذ إنه يخشى أي اتفاق سلام فلسطيني ـــــ إسرائيلي على حساب الوجود الفلسطيني الطاغي في المملكة الهاشمية، إضافة إلى المصالح التاريخية في الضفة الغربية والقدس المحتلة، التي تحاول عمّان حمايتها عبر حديث، من حين لآخر، عن «كونفدرالية» مع الدولة الفلسطينية الموعودة.
وبالعودة إلى الموقف المصري ـــــ الفلسطيني من حركة «حماس»، يبدو أن الطرفين قررا التراجع عن «وضع كل البيض» في السلّة الأميركية، وحفظ طريق العودة، وخصوصاً بالنسبة إلى عباس، إلى الداخل الفلسطيني؛ فما تسرّب عن تحذير أبو مازن، خلال لقائه مع وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس أخيراً، من انتفاضة جديدة، يشبه إلى حدّ بعيد استراتيجية الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، مع الفارق أن عباس غير ممسك بزمام الوضع على الأرض.
ولعل عباس يسعى، من خلال غزله الأخير لـ«حماس»، إلى استيعاب انتفاضة كهذه.