برلين ــ غسان أبو حمد
بعد سنوات من «المساكنة» السياسية بين الحزب الاشتراكي الديموقراطي (اليساري) والاتحاد المسيحي الديموقراطي (اليميني) في قيادة البلاد، فجّرت الإضرابات النقابية الأخيرة في قطاع المواصلات، والمواقف السياسية من الصراعات الدولية، أزمة سياسية حادة باتت تهدد التحالف الحكومي بقيادة المستشارة أنجيلا ميركل.
وتلقّت ميركل، في عطلة الأسبوع الماضي، سيلاً من الانتقادات ضدّ سياستها الدولية الغامضة، جاءت على لسان وزير الخارجية فرانك فالتر ـــ شتاينماير ووزير العمل والشؤون الاجتماعية فرانز مونترفيرينغ، بشّرت بنهاية قريبة للحكم الجبهوي الائتلافي، وبعودة الصراع بين أكبر حزبين سياسيين في التاريخ الألماني.
وفاجأ شتاينماير المستشارة المحافظة، بسيل من الانتقادات الحادة لسياستها «المضللة» وغير الواضحة، لأنها كانت قد وعدت بحصول تركيا على عضوية الاتحاد الأوروبي، فيما سحبت هذا الوعد في اللحظة الحاسمة.
واستند شتاينماير في نقده لميركل، إلى إثارة الأخيرة قضية حقوق الإنسان في روسيا والصين، عبر وسائل الإعلام الألمانية، بدلاً من استخدام قنوات أكثر فعالية، مشيراً بالتحديد إلى حديث ميركل المهم عن حقوق الإنسان في موسكو وبكين في الآونة الأخيرة، والذي أثار توتراً بين ألمانيا وهذين البلدين.
وقال الوزير الاشتراكي بوضوح «عندما نتحدث عن حقوق الإنسان لا يكون الهدف اهتماماً عابراً بالداخل فقط».
وفي تصريحات فظّة بشكل غير معتاد من المسؤول الذي يتسم عادة بالدبلوماسية، أبلغ شتاينماير مؤتمر الحزب الديموقراطي الاشتراكي، الذي عقد نهاية الأسبوع في هامبورغ (وسط)، بأن ميركل والاتحاد الديموقراطي المسيحي «لوّحا على مدى عقود بوعد أن تنضم تركيا إلى الاتحاد الأوروبي شرط أن تنفذ إصلاحات.. لكنهما تراجعا عن ذلك». وأضاف «في اللحظة الحاسمة تراجعوا.. ما الذي يمكن أن أفعله مع حزب مثل المحافظين الذي يتصرف بهذه الطريقة؟». ووجّه شتاينماير، أمام رفاقه في قاعة المؤتمر الحزبي، انتقاداً حاداً إلى ميركل بسبب موقفها المتردد وغير الواضح لأنها أبلغت أميركا في عام 2003 بأنه «ليس كل الألمان كانوا معارضين لغزو العراق».
تجدر الإشارة إلى أن ميركل تعدّ في صفوف قادة الاتحاد الأوروبي من الرافضين لعضوية تركيا الكاملة في الاتحاد، وهي تطرح صيغة فريدة لانضمام أنقرة تتجلى بوضعية «الشراكة المميزة».
وعلى الرغم من أهمية الخلافات «العقائدية» بين الحزبين الرئيسيين في البلاد، إلا أن العامل الحقيقي لتفجير هذا الخلاف، هو سيطرة الجناح اليساري في مؤتمر الحزب الاشتراكي الديموقراطي في مدينة هامبورغ، وانتخاب النائب كورت بيك رئيساً جديداً للحزب، وهو المعروف بتصلبه السياسي العقائدي.
وما زاد في حدّة الصراع باكراً بين الحزبين الرئيسيين، هو قيام جبهة الأحزاب اليسارية ـــــ والتفاف الشيوعيين حول القائد التاريخي أوسكار لافونتين، المتمرس جيداً في كشف ألاعيب «الرفاق الاشتراكيين القدامى»، على حدّ وصف صحيفة «دي تسايت» للواقع السياسي الجبهوي الجديد.
وكانت ميركل هي السبّاقة في توجيه حملة انتقادات قاسية للتوجه «اليساري» الجديد، الذي بدأت تباشيره تظهر بوضوح، حين قالت خلال اجتماع محلي لحزبها المسيحي الديموقراطي «لا نحتاج إلى عودة للاشتراكية على غرار الاشتراكيين الديموقراطيين. شهدنا ما يكفي من الاشتراكية زمن جمهورية ألمانيا الديموقراطية الشرقية سابقاً».