غزة ــــ رائد لافي
لم يعد سراً الحديث عن تباينات، تصل إلى حد الخلافات الحادة، داخل
الإطار التنظيمي والهرم القيادي لحركة «حماس»، بعدما طفا إلى السطح في الآونة الأخيرة بعض منها في الجناحين السياسي والعسكري في قطاع غزة


كشفت مصادر قريبة من حركة «حماس»، لـ«الأخبار»، أمس، عن أن قراراً اتّخذ قبل أيام داخل الحكومة المقالة برئاسة اسماعيل هنية والحركة قضى بمنع المتحدّث باسم الحكومة الدكتور غازي حمد من مواجهة الصحافة والتحدث إلى وسائل الإعلام المختلفة.
وفسرت المصادر نفسها، مفضّلة عدم الكشف عن هويتها، هذا القرار بأنه جاء بعد «تراكمات» كثيرة وخلافات في وجهات النظر بين حمد، الذي يعدّ من الوجوه القيادية الشابة والمعتدلة في حركة «حماس»، والقادة المتنفذين في الحركة ممن لم ترق لهم مواقف حمد المتوالية خلال الأشهر الماضية.
وقالت المصادر إن القرار بمنع حمد من الحديث إلى وسائل الاعلام لم يكن مفاجئاً، وخصوصاً بعدما بدا واضحاً في الفترة الأخيرة أن هوة الخلافات في الرأي والرؤية تتسع، مشيرةً إلى أن «حماس» كانت قاسية جداً على حمد عندما رأت أنه «لا يمثل إلا نفسه»، في ردها على تصريحاته في خصوص التفاوض مع الاحتلال الإسرائيلي.
وكان حمد قد قال في تصريحات صحافية قبل نحو أسبوع، إن حركة «حماس» لا تمانع من حيث المبدأ التفاوض مع العدو الإسرائيلي، إذا كان يصب في مصلحة الشعب الفلسطيني.
وبحسب مصادر متطابقة في حركة «حماس»، فإن ما صرح به حمد لم يخرج عن إطار «الخطوط السياسية الحمراء» للحركة، غير أن «توقيت» التصريح أثار ضده موجة من الغضب والسخط الشديدين، لأنه تزامن مع رفض «حماس» لمؤتمر الخريف وتحذيرها منه ودعوتها الأطراف العربية إلى مقاطعته، وتحضيرها لمؤتمر مواز للفصائل الفلسطينية في دمشق.
وقالت المصادر إن رد الفعل القاسي من حركة «حماس» إزاء تصريحات حمد جاءت بهذه الحدة، بفعل مقالة سابقة كتبها حمد قبل أسابيع بعنوان «هذا زمن العقلاء»، اعتبرتها الحكومة المقالة وقيادة الحركة بأنها تساويها مع قيادة السلطة في رام الله وحركة «فتح»، من حيث المسؤولية عما آلت إليه الأوضاع.
وبحسب مصادر أخرى، فإن حمد الذي يتولى ملف الحوار والمفاوضات الخاصة في الحكومة المقالة، لم يرق له قرار قيادة حركة «حماس» في غزة بمنعه من مواجهة الإعلام، فلزم منزله في مدينة رفح أقصى جنوب قطاع غزة، ولم يتوجه إلى عمله في مقر مجلس الوزراء القريب من منزل هنية في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة منذ نحو أسبوع.
ورجحت المصادر أن يكون حمد قد عمد إلى كتابة الرسالة المطوّلة التي أرسلها إلى قيادة «حماس» في الداخل والخارج، في رد فعل على القرار، الذي ربما يكون قد اعتبره «عقاباً» على مواقفه السياسية.
وكان حمد قد نفى قبل أيام، في تصريح مقتضب، رسالة نسبتها له وسائل الإعلام أرسلها إلى قيادة «حماس» بعنوان «إلى أحبّتي قادة حماس»، وصف من خلالها عملية الحسم العسكري التي نفذتها الحركة في 14 حزيران وأفضت إلى سيطرتها على القطاع بأنها «خطأ استراتيجي حمّل الحركة أكثر مما تحتمل».
لكن هذا النفي لم يجد صدى له في الشارع الفلسطيني، ولدى العارفين ببواطن الأمور، لكون الرسالة حملت الكثير من المعلومات والحقائق والمواقف وبأسلوب اعتاد عليه حمد منذ توليه منصب الناطق باسم الحكومة العاشرة، التي ألّفتها حركة «حماس» منفردة مطلع العام الماضي.
وبدأت الخلافات والتباينات في المواقف والرؤى بين حمد و«حماس»، بحسب المصادر المطلعة، في الظهور منذ مقاله الذي نشره في الصحف المحلية إبان احتدام الاقتتال الداخلي بين حركتي «حماس» و«فتح»، وجاء بعنوان «ارحموا غزة»، وهو ما اعتبرته أوساط قيادية «حمساوية» بأن حمد «وضع حماس في كفة واحدة مع فتح».
ووصل عدم الرضا عن المواقف السياسية لحمد إلى حد استهزاء قيادي بارز في «حماس» به خلال أحد الاجتماعات، ونعته مازحاً بـ«الناطق باسم حركة فتح».
وأشارت المصادر إلى أن تعيين طاهر النونو في منصب المتحدث باسم الحكومة بدلاً من حمد عقب عملية «الحسم العسكري» جاء بفعل معارضة الأخير لأسلوب إدارة الأزمة وانخراط حركة «حماس» في الحرب الكلامية القاسية مع قيادة السلطة وحركة «فتح» في رام الله.
ورغم الجو المتوتّر بين حمد و«حماس»، والحديث عن إقالته الذي نقلته الإذاعة الإسرائيلية، أمس، نفى طاهر النونو لـ«الأخبار» ما يشاع عن إقالة حمد، معتبراً أن هذا الخبر «عار تماماً عن الصحة»، رافضاً الحديث في مزيد من التفاصيل.
كذلك، نفى المتحدّث باسم «حماس»، سامي أبو زهري، أن تكون الحركة قد أصدرت أي قرار ينص على تجميد عضوية غازي حمد أو المستشار السياسي لاسماعيل هنية، الدكتور أحمد يوسف. ورأى أن هذه الأنباء «تأتي في إطار الحملة الإعلامية الشرسة التي تشنها الأطراف المعروفة لديهم على الحركة بهدف تشويه صورتها وزعزعة تماسكها».
وفي السياق، قالت المصادر إن الخلافات لم تقتصر على الجناح السياسي لـ«حماس»، وطاولت الذراع العسكرية للحركة، المعروفة باسم كتائب «عز الدين القسام»، التي التحق الكثير من أفرادها بالأجهزة العسكرية والأمنية التي شكلتها الحكومة المقالة عقب سيطرتها المطلقة على القطاع.
وكشفت المصادر عن خلافات حادة على «الرتب» والمناصب بين أفراد وقادة، وصلت إلى حد الاشتباك بالأسلحة النارية في غير منطقة من قطاع غزة خلال الأشهر الأربعة الماضية.