برلين ـ غسان بو حمد
امتدّت أجواء العداوة المستفحلة بين الأكراد والأتراك من جبال كردستان إلى الشوارع الألمانيّة التي تحوّلت خلال اليومين الأخيرين إلى ساحات حرب عصابات بين شبّان الطرفين وخصوصاً في أحياء برلين، حيث سقط العديد من الجرحى، ولا سيّما في صفوف رجال الشرطة الذين أُصيب بعضهم بجروح بالغة أثناء محاولتهم فضّ الاشتباكات العنيفة وحماية مراكز الجمعيّات والأندية والمقاهي الكرديّة والتركيّة في منطقتي «كرويزبرغ» و«فيدينغ».
وكانت بعض الجمعيّات والأندية الكردية وبعض الروابط اليسارية الناشطة من أجل السلام، قد دعت بعد ظهر يوم الأحد الماضي إلى تظاهرة شعبية (غير مرخّصة) في ساحة بوابة «كوتبوسر ـــــ تور»، في منطقة «كرويزبرغ»، تحت شعار «التعايش الأخوي والمسالم بين الأتراك والأكراد». إلاّ أنّ بعض الجمعيّات التركية المتطرّفة، ومنها ميليشيا «الذئاب التركية الغبراء»، شنّت هجوماً عنيفاً بالهراوات على المتظاهرين، ما أدّى إلى وقوع عدد من الجرحى في صفوفهم، إضافةً إلى عشرات الجرحى بين رجال الشرطة. وتبيّن لاحقاً أنّ الشرطة سعت متأخّرة إلى فضّ الاشتباكات وحماية مراكز الأندية، وهي لم تكن مستعدّة أو متأهّبة لمواجهة هذا النوع من الهجمات. ووصف مدير مكتب شرطة «فريدريشهاغن» في وسط برلين، لـ«الأخبار»، المهاجمين بأنهم «مدرّبون بشكل ناجح ولافت للانتباه».
وسُمعَت طوال ليل الأحد ـــــ الاثنين صفّارات سيارات الإسعاف والشرطة عند محاولتها نقل الجرحى إلى المستشفيات، وحماية وتطويق بعض الأندية والمقاهي المعروفة بارتياد جاليات كردية أو تركية لها، كما شوهدت للمرّة الأولى شعارات حزب العمّال الكردستاني مطليّة على الجدران وبعض نوافذ وسائل النقل، ما أثار استياء المواطنين الألمان المحافظين، ودفع بعضهم إلى إطلاق شعارات عنصريّة يُستدلّ منها حقداً دفيناً إزاء الأجانب.
وكانت برلين قد عاشت أمس حالة من الاستنفار الدائم، وخصوصاً في الأحياء الفقيرة، خوفاً من تمدّد الاشتباكات إلى بقيّة المناطق. ولم تتورّع قيادة الشرطة عن استخدام قيادات العشائر ورجال الدين لتهدئة الأوضاع، نظراً لتأثير وفعالية هذه القيادات «التقليدية» في تهدئة الخواطر والمسامحة بين الجاليتين.
وكانت هذه الاشتباكات متوقّعة في العاصمة الألمانيّة، نظراً لأنّ أعداداً كبيرة من الجاليتين تعيش في «غيتوات» فقيرة مشتركة، ونظراً لممارسة الأتراك والأكراد لنشاطات تجاريّة متنافسة. إلّا أنّ اندلاع «المعارك» بهذه السرعة فاجأ الجميع، وكشف أنّ الاستعداد لها كان يجري التحضير له منذ وقت طويل.
ولم تستبعد بعض التحليلات الصحافية، قيام التجّار من الطرفين، بتزكية هذه الخلافات وتمويلها، حرصاً على مصالح ومكاسب تجارية ضيّقة وحسماً لطابع المنافسة في بعض الأحياء.