غزة ــ رائد لافيرام الله ــ أحمد شاكر

الأمـــن الفلسطيني يقمـــع تظاهـــرة لطـــلّاب «حمـــاس» في الخليـــل


وقف أبو محمد أمام محله التجاري في شارع عمر المختار الرئيسي وسط مدينة غزة، مكتفياً بفتح جانب واحد من باب المحل. قال «أريد أن أرضي الطرفين، بموقف وسط بين الالتزام بالإضراب وعدمه».
ووجد التجار وأصحاب المحال التجارية أنفسهم في موقف حرج للغاية، بين دعوة فصائل منظمة التحرير الفلسطينية إلى الإضراب الشامل في قطاع غزة، ودعوة مناقضة من حركة «حماس» وحكومتها المقالة برئاسة اسماعيل هنية إلى الانتظام وعدم التزام الإضراب.
وقال أبو محمد، الذي بدا متخوفاً من ذكر اسمه الحقيقي، «لقد وجدت نفسي بين نارين»، مضيفاً «قررت الوقوف على مسافة واحدة كي لا أكتوي بنار فتح إذا خرقت الإضراب، وبنار حماس إذا التزمت به».
وأظهرت دعوة فصائل منظمة التحرير إلى «الإضراب الشامل» أمس مدى التدهور الذي وصلت إليه الأوضاع الداخلية. وعدا عن «المحايدين» في الصراع السياسي الداخلي، الذين احتاروا في أمرهم، فإن أنصار حركة «فتح» وفصائل المنظمة التزموا الإضراب، فيما أنصار «حماس» وأتباعها بذلوا جهداً مضاعفاً في العمل لإثبات فشله.
وفضّل كثير من الفلسطينيين عدم إرسال أبنائهم إلى المدارس، خشية وقوع أي صدامات بين الفريقين المتخاصمين. وقال الباحث في الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق المواطن مصطفى ابراهيم «لست معنياً بالتزام الإضراب أو خرقه، لكنني لم أرسل أبنائي إلى المدارس».
وغاب عدد كبير من المعلمين في المدارس الحكومية عن العمل، فيما تعطّلت بعض المدارس التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) بفعل غياب عدد من المدرسين والطلاب.
وقالت حركة «حماس» إن غياب المعلمين عن مدارسهم جاء تحت ضغوط وتهديدات من حكومة سلام فياض في رام الله، والتي وصفتها بأنها «حكومة دايتون» (نسبة إلى المنسق الأمني الأميركي كيت دايتون)، بحرمان من يخرق الإضراب من الراتب الشهري.
والتزمت الجامعات والمعاهد العليا المحسوبة على حركة «فتح» بالإضراب، في وقت انتظمت فيه الدراسة بشكل اعتيادي في الجامعة الإسلامية، كبرى المؤسسات التعليمية التابعة لحركة «حماس» في القطاع، وغيرها من الكليات المتوسطة.
واتهمت «فتح»، على لسان المتحدث باسمها في الضفة الغربية فهمي الزعارير، حركة «حماس» بتهديد أصحاب المحال التجارية من مغبة الالتزام بالإضراب، غير أن «حماس» نفت هذه التهديدات.
وتباينت مواقف الطرفين في تقدير نسبة الملتزمين بالإضراب؛ ففي حين قالت مصادر «فتح» وحكومة رام الله إن نسبة الالتزام تجاوزت 90 في المئة، قال رئيس نقابة الموظفين في القطاع العام علاء الدين البطة إن النسبة لم تتجاوز 25 في المئة في مختلف قطاعات الوظيفة الحكومية.
والتزم موظفون محسوبون على حركة «فتح» وفصائل منظمة التحرير في المؤسسات العامة والخاصة بدعوة الإضراب، فيما واصل نظراؤهم من حركة «حماس» وآخرون من المستقلين العمل.
وقال موظف، رفض الإفصاح عن اسمه، لـ«الأخبار»، «أصبحنا مجبرين على الاختيار بين تهمة خيانة المنظمة إذا خرقنا الإضراب، أو المساهمة في زعزعة الأمن والاستقرار إذا التزمنا الإضراب وانقطعنا عن العمل». وأضاف إن «الفريقين يقودان الشعب الفلسطيني نحو الهاوية».
وطاول الانقسام في التزام الإضراب العاملين في القطاع الصحي، حيث توقّف أتباع حركة «فتح» وفصائل المنظمة من الأطباء والممرضين والعاملين عن العمل.
وقال أطباء في مستشفى أبو يوسف النجار في مدينة رفح، جنوب القطاع، إنهم أعلنوا الإضراب عن العمل لسببين: أولهما، الالتزام بدعوة فصائل المنظمة، والثاني بفعل التهديدات التي يتعرضون لها، وسياسة الإقصاء الوظيفي التي تمارسها حركة «حماس».
وبينما أصابت الحياة العامة في القطاع حال من «الشلل النصفي»، لم تتأثّر حركة السيارات في الشوارع، والحركة التجارية في الأسواق.
ورأت «حماس»، على لسان المتحدث باسمها فوزي برهوم، أن الإضراب بمثابة «خرق للقانون وتعطيل للحياة العامة». واتهم قيادة السلطة في رام الله وفصائل منظمة التحرير بالسعي إلى تعطيل الحياة اليومية في القطاع، بعد فترة من الاستقرار والأمن التي شهدتها خلال الفترة الماضية. وقال إن «الحكومة (المقالة) تمتلك برنامجاً متكاملاً لمحاسبة من يتناغم مع منظومة رام الله ويلتزم بها»، مشدّداً على أن «تعطيل الحياة وخرق القانون والتعدي على الحريات العامة يحتاج إلى تطبيق القانون على كل من يريد أن يدمّر الشعب الفلسطيني والحياة اليومية والحركة التجارية والدراسية والصحية».
من جهته، قال القيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، كايد الغول، إن الإضراب الشامل «يحمل رسالة موجهة إلى أجهزة حركة حماس برفض كل أساليب القمع والاعتقالات السياسية».
وفي الضفة الغربية، قمع العشرات من عناصر الأجهزة الأمنية الفلسطينية تظاهرة احتجاجية لطلبة جامعة الخليل، ما أدى إلى إصابة خمسة منهم على الأقل واعتقال عدد آخر.
وقالت مصادر محلية وشهود إن المئات من طلبة الكتلة الإسلامية (الذراع الطالبي لـ«حماس») حاولوا تنظيم مؤتمر صحافي في حرم الجامعة ضد سياسة رفع الأقساط الجامعية، لكن إدارة الجامعة رفضت ذلك، ما دفعهم إلى تنظيم تظاهرة أمام مبنى الجامعة.
وأضافت المصادر: وبمجرد بدء الطلبة تظاهرتهم، قام العشرات من أفراد الأجهزة الأمنية بمهاجمتهم وتفريقهم بالقوة.
وفي سياق المواجهات بين الطرفين، قالت مصادر فلسطينية وشهود عيان إن جهاز المخابرات الفلسطينية اعتقل أول من أمس نجل عضو المجلس التشريعي الفلسطيني عن حركة «حماس» حسني البوريني في مدينة نابلس شمال الضفة الغربية.

الحكومة (المقالة) تمتلك برنامجاً متكاملاً لمحاسبة من يتناغم مع منظومة رام الله ويلتزم بها. إن تعطيل الحياة وخرق القانون والتعدي على الحريات العامة يحتاج إلى تطبيق القانون على كل من يريد أن يدمّر الشعب الفلسطيني والحياة اليومية والحركة التجارية والدراسية والصحية