واشنطن ــ محمد سعيد
لن يكون ممكناً الكلام على خفض فعلي لقوات الاحتلال الأميركي من العراق قبل الصيف المقبل، وأقصى ما يمكن الحصول عليه هو انسحاب فرقة مشاة البحرية التي تتألّف من مئات الجنود في نهاية الشهر الجاري. هذه هي الحصيلة العملية التي تضمّنتها شهادة اليوم الأوّل للجنرال دايفيد بيترايوس والسفير الأميركي لدى بغداد ريان كروكر أمام الكونغرس، والتي لم يغب عنها الحديث المكرَّر عن الدور «التخريبي» الذي تؤديه إيران وسوريا وحزب الله في زعزعة الحكومة العراقية


كما كان متوقّعاً، بدأ اليوم الأوّل لجلسات استماع أعضاء الكونغرس لشهادتي القائد الأعلى لقوات الاحتلال الأميركي في العراق الجنرال دايفيد بيترايوس والسفير الأميركي لدى بغداد ريان كروكر عن التقدّم الحاصل في العراق بعد مضي نحو 8 أشهر من بدء خطّة «فرض القانون» وتعزيز القوات المحتلّة بـ30 ألف جندي أميركي إضافي، كأنه جلسة محاكمة للإدارة الأميركية التي اتّهمها الأعضاء الديموقراطيون في لجان القوات المسلّحة والشؤون الخارجية والشرق الأوسط بـ«الكذب».
ونتيجة لكثرة التسريبات التي نشرتها الصحف الأميركية والتقارير الثلاثة التمهيدية التي صدرت عن لجان الكونغرس خلال الأسبوع الماضي، لم تحمل جلسة الاستماع أمس، والتي تُستأنف اليوم، «مفاجأة» كبيرة من حيث المعلومات التي كشف عنها كل من كروكر وبيترايوس في شأن مصير الاحتلال.
ووسط أجواء الفوضى التي سادت الجلسة، والتي تسبّبت بها الأعطال التقنية في جهاز الصوت وهتافات الاحتجاج التي ردّدها المحتجّون على استمرار الاحتلال الأميركي للعراق، كشف بيترايوس عن أنّ قوات مشاة البحرية (المارينز) ستعود الى الوطن في نهاية الشهر الجاري. وردّ على مطالبات الديموقراطيين بتحديد جدول زمني قريب للانسحاب، بأنّ عدد هذه القوات لن يعود الى ما كان عليه قبل إرسال الوحدات الإضافية في شباط الماضي، قبل الصيف المقبل. وأكّد بيترايوس أنّ تغيير مهمّة قوات بلاده الى مجرّد دعم وتدريب للقوات العراقية التي سيصل عددها الى 480 ألف عنصر في الأشهر المقبلة، «سابق لأوانه» نتيجة ما وصفه بالدور التخريبي الذي تؤدّيه ايران وسوريا وحزب الله في دعم «التمرّد» في العراق. وكرّر الجنرال الأميركي كلام «قائده» جورج بوش عندما حذّر من أنّ انسحاباً مبكراً من بلاد الرافدين ستكون له نتائج «كارثية» على العراق والمنطقة.
أمّا كروكر، فقدّم بدوره مطالعة سياسية ـــــ تاريخية عن حقبة ما قبل الاحتلال، للتركيز على «الإنجاز» الأميركي في «تحرير» العراقيين، في محاولة لإلقاء اللائمة في تدهور الأوضاع في البلاد على «الإرث الذي خلّفه صدّام (حسين)» من دون أن يشير إلى ما وصفه النواب الأميركيون، الذين طرحوا الأسئلة، بـ «تقصير» حكومة نوري المالكي و«عجزها». ولفت كروكر إلى أنّ هناك جدلاً كبيراً داخل الطائفة السنية حول القبول بالنظام الفدرالي، مقدّماً صورة وردية عن تقدّم الحكومة العراقية في قضايا «تعديل البعث» والمصالحة الوطنية، من دون التقليل من شأن العقبات الكبيرة التي تواجه حكومته التي «تتعاطى مع المشكلة بمسؤولية عالية بدليل الاتفاق الخماسي» الذي عقده الزعماء العراقيون قبل نحو شهر في محاولة لدفع عملية المصالحة قدماً. كما لفت إلى أنه من الممكن عودة البعثيين السابقين غير المتورطين في جرائم قريباً للعمل في الدوائر الحكومية.
وعرّج كروكر، في كلمته، على الأحداث الأخيرة في كربلاء، متّهماً «جيش المهدي» بافتعالها، ومعتبراً أنّ من بين إنجازات القوات الأميركية في حربها ضدّ الميليشيات السنية والشيعية، هو قرار السيد مقتدى الصدر تجميد نشاط «جيش المهدي».
وقبل إعطاء الكلمة لكروكر وبيترايوس، شنّ رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب توم لانتوس (ديموقراطي) هجوماً عنيفاً على كل من الإدارة الأميركية وشخص المالكي، متهماً إياه بأنه يمارس حكماً مذهبياً ويقدم الغطاء لمجموعات القتل التي قال إنها «مجموعات شيعية». وفي حديثه عن المالكي، خاطبه لانتوس بالقول «إما أن يغيّر سياسته أو يذهب». وأضاف، في سياق الهجمة المكثفة للديموقراطيين على سياسات إدارة بوش، إن محاولة الرئيس من خلال إرسال بيترايوس وكروكر إلى الكونغرس «لإقناع الأعضاء بأن النصر في العراق في متناول اليد، هو كذب ولا نصدق ذلك». وفي هذا السياق، قال لانتوس إنّ الإدارة الأميركية «لم تتعلّم من تجربة تسليح حركة طالبان والقاعدة في ثمانينات القرن الماضي ضدّ النظام الشيوعي، وهي تكرّر اليوم الأمر نفسه مع عشائر الأنبار»، مشيراً إلى أنّ في ذلك خطراً كبيراً لأنّ هذه الميليشيات «يمكن أن تنقلب علينا». كما لفت إلى أن تقدماً عسكرياً من دون تقدم سياسي لا معنى له، معتبراً أنّ بوش وإدارته يورّطان الولايات المتحدة في «حرب أهلية عراقية لا مصلحة لنا فيها».
وخلال جلسة الاستماع، أعلن المتحدّث باسم البيت الأبيض طوني سنو أن بوش شدّد خلال اتصال أجراه عبر الدائرة التلفزيونية المغلقة مع المالكي يوم أمس، على ضرورة حصول تقدّم سياسي سريع. وقال سنو إن«الطرفين متّفقان على ضرورة التوصّل الى تقدم سياسي ومواصلة التقدم العسكري على الأرض». وكشف عن أنّ المالكي أعرب لبوش عن «تفاؤله بالعملية التشريعية الجارية حالياً في العراق، وقال إنه يرى تغييراً في مواقف الكتل السياسية التي كانت تعارض حكومته».
وكانت صحيفة «وول ستريت جورنال» قد نقلت في وقت سابق عن قائد فرقة المشاة الثالثة في الجيش الأميركي الجنرال ريك لينش قوله إن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) تعتزم بناء قاعدة عسكرية جديدة تتألّف من ست نقاط تفتيش محصّنة على الطريق السريعة الرئيسية على الحدود الإيرانية ـــــ العراقية تشرف على إدارتها قوات من جورجيا، وتركيب ماكينات للأشعة وأجهزة استشعار لرصد المتفجّرات عند المعبر الحدودي الرسمي الوحيد بين البلدين في زورباتيا، وذلك في محاولة لوقف ما تدّعي واشنطن أنه تدفّق للأسلحة الإيرانية إلى الميلشيات الشيعية في العراق.