بول الأشقر
إثر الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والبلدية التي شهدتها أوّل من أمس، تتّجه غواتيمالا نحو دورة ثانية في 4 تشرين الثاني المقبل لحسم منصب الرئاسة، في مواجهة ستكون قاسية بين مرشّح يسار الوسط رجل الأعمال ألفارو كولوم، والجنرال اليميني المتقاعد أوتو بيريز مولينا.
ففي أعقاب حملة انتخابية شهدت اغتيال 50 ناشطاً ومرشحاً إلى الانتخابات البلدية، غالبيّتهم من اليساريين، تميّزت عمليات التصويت عموماً بالهدوء، رغم وقوع بضعة أعمال عنف فردية. وبعد فرز أكثر من 90 في المئة من الأقلام الانتخابية، حصل الاشتراكي ـــــ الديموقراطي كولوم، المنتمي إلى حزب «الوحدة الوطنيّة من أجل الأمل»، على أكثر من 28 في المئة من الأصوات فيما حصل منافسه مولينا، المرشّح عن «الحزب الوطني» المحافظ، على نحو 24 في المئة. وحلّ ثالثاً مرشّح الحزب الحاكم، اليميني، أليخاندرو جاماتاي بـ 17.5 في المئة من أصوات الناخبين. وتقدّم المتنافسان الرئيسيّان على 12 مرشّحاً آخرين، لكن من دون غالبيّة تؤمّن لأيّ منهما حسم المعركة.
وبعد ظهور النتائج الأوّليّة، قال مولينا «توقّعنا أن يكون الفارق بيننا (هوَ وكولوم) نقطتين، وعلمنا أنّ علينا العمل بإصرار أكبر» تحضيراً للجولة المقبلة.
أمّا المرشحة، الناشطة في حقوق المنحدرين من قبيلة «مايا»، ريغوبيرتا مينشو، الحائزة جائزة نوبيل للسلام لعام 1992، فقد حلّت سادسة ونالت نحو 3 في المئة من الأصوات، بعدما تعطّلت حملتها الانتخابية بسبب فقدان الموارد المالية، وصارت الآن تراهن على انتخابات عام 2011 إذ يشير التقويم المتّبع لدى «مايا»، إلى أنّها السنة التي ستصل خلالها امرأة هندية إلى سدّة الرئاسة.
وفي الإجمال، تميّزت الحملة الانتخابية خلال الأسابيع الأخيرة بنموّ تأييد مرشّحي اليمين على حساب مرشحي اليسار، خصوصاً في العاصمة، بسبب طغيان موضوع العنف على موضوع الإصلاح الاجتماعي.
وتتميّز الحياة السياسية والاجتماعية في غواتيمالا بمستوى العنف الذي يُعدّ من الأسوأ في العالم. وقد أدّت الحرب الأهلية، التي استمرّت من عام 1960 إلى عام 1996، إلى مقتل أكثر من ربع مليون مواطن أكثريتهم الساحقة من الهنود، من بينهم أهل مينشو والكثير من عائلة كولوم.
إلا أن العنف في غواتيمالا لا يقتصر على الجانب السياسي، بل يتخطاه ليطال كل نواحي الحياة الاجتماعية. ففي عام 2006، ارتفع عدد قتلى الجرائم إلى 6 آلاف شخص في بلد يقارب عدد سكانه 13 مليون نسمة.
كذلك تعاني غواتيمالا ظاهرة «الماراس»، أي عصابات الشباب التي بدأت في التسعينيات في شوارع لوس أنجليس قبل أن تنتشر في المكسيك وفي كل دول أميركا الوسطى، بعد طرد هؤلاء إلى دولهم. ويضاف إليها سعي كارتيلات تجارة المخدّرات للسيطرة على الحياة السياسية وخصوصاً في المناطق الحدودية.
ونظّمت الكنيسة وعشرات منظمات المجتمع المدني حملة على هامش الانتخابات لحثّ المواطنين على عدم الاقتراع للمرشّحين المرتبطين بكارتيلات المخدرات. وقد نجح مولينا، الذي شغل منصب قائد الجيش خلال الحرب الأهلية، في استقطاب المواطنين الخائفين من تفشّي العنف من خلال حملة انتخابية شعارها «اليد الحديدية وعودة عقوبة الإعدام»، فيما ركّز كولوم على ضرورة القيام بإصلاحات اجتماعية وعدم الانجرار وراء الحلول الأمنية القائمة على مواجهة العنف بعنف مضاعف، والتي جربت غواتيمالا آثارها المدمّرة في الماضي القريب.