طهران ـــــ طارق ترشيشي
تستبعد الصدام مع واشنطن وتنصح سنّة العراق بـ«الواقعيّة» ولا تعارض «دوراً» سعوديّاً

في طهران هذه الأيام اهتمام غير عادي بالشأن اللبناني، والإيرانيون على المستوى السياسي يسألون زوارهم اللبنانيين عمّا هو آتٍ على هذا البلد بعد انتهاء حرب مخيم نهر البارد، وما سيؤول إليه الاستحقاق الرئاسي، وهل هناك فرص للتوافق بين فريقي الموالاة والمعارضة في شأنه بعد المبادرة التي أطلقها الرئيس نبيه بري؟
ورغم أسئلتهم هذه، فإن المسؤولين الإيرانيين لا يبدون مخاوف من حصول ما يهدد لبنان بمخاطر كبيرة، ولا يخفون أنهم يقومون بمساعٍ بعضها معلوم والبعض الآخر مكتوم لأجل تجنيب هذا البلد أي اضطرابات أو فتن، ويعوّلون على حصول اتفاق بين «حزب الله» وتيار «المستقبل» من شأنه أن ينعكس إيجاباً على الواقع اللبناني، لأن هذين الطرفين الأساسيين هما الكفيلان بإخراج لبنان من الدوامة المكلفة التي يدور فيها.
وعندما يقال للإيرانيين إن اللبنانيين يعوّلون على انتهاء المفاوضات الأميركية ـــــ الإيرانية والأميركية ـــــ السورية إلى نتائج ملموسة، حتى تأخذ الأزمة اللبنانية طريقها إلى الحل، فإنهم يشاطرون اللبنانيين هذا الرأي، لكنهم يرون أن على أطراف الأزمة في لبنان أن يتفقوا، أو على الأقل أن يسعوا في ما بينهم إلى الاتفاق، لكنهم لا يستبعدون إقدام رئيس الجمهورية العماد إميل لحود على تأليف حكومة إنقاذ أو حكومة طوارئ إذا لم يُنتخب رئيس جمهورية جديد كثمرة توافق يحصل بين فريقي الموالاة والمعارضة بحيث تتولى هذه الحكومة، التي قد تكون عسكرية، شؤون الدولة وتمهّد لإجراء انتخابات نيابية عامة يعاد من خلالها تكوين السلطة بما يعيد البلاد إلى شاطئ الأمان.
وبعض هؤلاء المسؤولين الإيرانيين يقول إن اتفاقاً يحصل بين «حزب الله» و«المستقبل» «لا يمكن الأطراف الأخرى أن تعطّله»، مشيراً إلى أن إيران والسعودية تبذلان جهوداً مشتركة في هذا الاتجاه، إذ إن هناك اتفاقاً بينهما على منع انزلاق لبنان إلى أية فتنة».
ويشير الإيرانيون إلى أنه كانت هناك «تفاهمات مهمة» بينهم وبين السعوديين، لكنها «تأثرت بفعل تصاعد الأزمة في شأن الوضع الحكومي في لبنان». ويسجلون في هذا المجال حصول «بعض التبدّل في تصرف القيادة السعودية إزاءهم منذ ذلك الحين».
ورغم الأجواء التي تتلبّد حيناً وتصحو أحياناً بين طهران وواشنطن، فإن لدى الأوساط الإيرانية انطباعاً مفاده أن بلادهم «لن تنزلق إلى حرب مع الولايات المتحدة» وهم يتّكلون في ذلك على «حنكة» المرشد السيد علي خامنئي «الحريص على الحفاظ على الإنجازات التي حققتها إيران على مدى 16 عاماً في كل المجالات، وصولاً إلى المجال النووي».
ويرى بعض هؤلاء أن هناك «تلاقي مصالح بين طهران وواشنطن، وهو ما سيحول دون حصول صدام بينهما»، وبالتالي فإن إيران لن تتوقف عند «صغائر بعض الدول الخليجية» وهي تسعى جدياً إلى إبرام تسوية مع الأميركيين.
وتقول المصادر نفسها إن الأميركيين «سيقررون الانسحاب عاجلاً أو آجلاً من العراق وفق جدول زمني ومهني، يبدأ بالانسحاب من المدن الصغرى ثم من المدن الكبرى، ثم من بقية المناطق، وذلك على وقع استمرار المفاوضات والاتفاقات التي تحصل فيها».
ويرى الإيرانيون أنهم «الطرف الأقوى في الساحة العراقية من بين كل القوى العاملة على هذه الساحة، وأن الجميع يدركون ذلك، من الأميركيين وحلفائهم إلى جانب سوريا ودول الخليج»، ولا يخفون أن «للسعودية دوراً في هذا المجال، لكنه ليس بالدور الذي يمكنه أن يعطّل تسوية، لكنه سيكون دوراً مساعداً عندما تحزم الرياض أمرها».
ويقول الإيرانيون إن السنّة العراقيين عليهم أن يكونوا «واقعيين، وأن يعترفوا بحجمهم، ويشاركوا في العملية السياسية حتى يكون هذا الحجم فاعلاً فيها، سواء على مستوى السلطة أو على مستوى الأمن والإدارة وغيرها». ويذكرون أنه «عندما زار رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي إيران أكد للمسؤولين الإيرانيين أنه لا يستطيع أن يتعاون مع القوى السياسية السنية في ضوء التفجيرات المستمرة التي تستهدف المراقد الشيعية، لكن الجانب الإيراني أقنعه بجدوى التفاهم مع هذه القوى التي من حقها أن تشارك في العملية السياسية العراقية، وبالتالي لا يمكن تجاهلها من أجل استتباب الوضع العراقي وإخراجه من المأزق الذي يعيش فيه. ونصحه الإيرانيون بوجوب التفاهم مع «جبهة التوافق»، ويبدو أنه باشر العمل في هذا الاتجاه».
ويرى الإيرانيون أن «القوى السنية لا تستطيع أن تعطّل التسوية في العراق»، لكنها «مؤلمة» بحيث إن التفجيرات التي تحصل تستهدف الأماكن الشيعية. لكن الشيعة، باستثناء بعض ردود الفعل المحدودة التي تحصل من بعضهم، لا يردون على هذه التفجيرات، لأنهم يريدون فعلاً أن يتجنبوا الفتنة، وأن لا تتوسع رقعة الخلاف. وهم يدركون أن أكبر نسبة من عناصر الجماعات السلفية تدخل إلى العراق من الجوار.
ويأخذ الإيرانيون على رئيس كتلة التوافق العراقية عدنان الدليمي أنه «لا يتصرف على أساس يساعد على حل الأزمة الداخلية العراقية، ويطرح مطالب كبيرة يدرك أنها غير واقعية»، ويرون أن عليه أن «يكون منطقياً لأنه ليس هناك رغبة لدى الشيعة بإقصائه هو وغيره عن المشاركة في السلطة».
ويروي بعض المسؤولين الإيرانيين جزءاً من حوار يقولون إنه دار بين وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل ونائب الرئيس الأميركي ديك تشيني عندما زار السعودية في وقت سابق هذه السنة، فيقولون إن الفيصل قال لتشيني: «إن دور السنّة في العراق ليس متناسباً مع حجمهم»، فرد تشيني سائلاً إياه عن «دور الشيعة وحجمهم في المنطقة الشرقية من السعودية».
وقال هؤلاء المسؤولون إن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد عندما تحدث عن قدرة إيران والسعودية على ملء الفراغ في منطقة الخليج إذا انسحب الأميركيون، إنما «يدل على رغبة إيران بقيام تعاون وثيق بينها وبين السعودية من أجل تأمين الاستقرار في منطقة الخليج يضمن مصالح الجميع».