باريس ــ بسّام الطيارة
لا تزال موجة الارتداد التي أطلقتها تصريحات وزير الخارجية الفرنسي برنارد كوشنير في شأن «الاستعداد للأسوأ» لمواجهة الطموحات النووية الإيرانيّة، تتفاعل في الأوساط السياسية الفرنسية. ومن المنتظر أن يناقش البرلمان «الملفّ الإيراني» في الثاني من الشهر المقبل فور عودة كوشنير من نيويورك، التي يقضي فيها 10 أيّام لمتابعة الدورة الـ 62 للجمعيّة العامّة للأمم المتحدة.
وبحسب الإصدار الأخير لصحيفة «لو كانار أنشينيه»، فإنّ هذا التململ وصل إلى «حلقة قيادة الأركان» التي تؤكّد مصادر مقرّبة منها أن «لا تخطيط للقيام بعملية (عسكريّة) مشتركة مع الأميركيين» ضدّ النظام الإيراني، فيما يكثر التساؤل عن سبب صدور هذه التصريحات التي، رغم محاولات تخفيفها من دوائر الـ «كي دورسيه»، يمكنها أن «تؤجّج الشعور الوطني في إيران وتقوّي الأطراف الأكثر راديكالية».
ويذكر أحد المشاركين في إحدى جولات مباحثات كوشنير مع نظيرته الأميركيّة كوندوليزا رايس، أنه بادر يوماً إلى سؤالها «ماذا نستطيع أن نفعل لمساعدتك في العراق؟» وهو تصريح يمكن قراءته بالتوازي مع سؤال «بماذا نستطيع أن نساعدكم في الملف الإيراني؟»، حسبما يوضح المصدر نفسه.
وما يزيد مخاوف الأوساط السياسية والدبلوماسية في باريس هو اقتناعها «بأن واشنطن ذاهبة إلى الحرب مع إيران» وإدراكها خسارة باريس «مكتسباتها الأدبية من معارضتها لغزو العراق» بسبب هذه التصريحات.
وأكّدت مصادر دبلوماسية، لـ «الأخبار»، أن خيار التصلّب هو «الأسلوب الذي توافقت عليه القيادة السياسية بتوجيه من الرئيس نيكولا ساركوزي» لمنع إيران من «إكمال خططها للحصول على يورانيوم مخصب».
كذلك علمت «الأخبار» من مصادر أخرى أنّ الملف الإيراني وُضع على نار حامية مع وصول السفير الفرنسي السابق إلى تل أبيب، جيرار أرو، إلى منصب المدير السياسي في وزارة الخارجيّة، وهو مركز محوري في سياق خطّ سياسة فرنسا الخارجية. ومعروف عن أرو أنّه «الرجل الذي رمّم العلاقات الفرنسية ـــــ الإسرائيلية» وقد اشتهر بالبرقية التي أرسلها يوماً إلى وزير خارجيته دومينيك دوفيلبان وقال له فيها «إذا أردت أن تتصالح مع الإسرائيليين توقف عن ذكر الفلسطينيين». كذلك كان وراء تشجيع شركة «ألستوم» للمشاركة في بناء خط «مترو القدس» رغم مخالفته للقانون الدولي.
وأرو يمثّل أيضاً صورة المتشدّد في قضايا «انتشار الأسلحة النووية» وتربط المصادر المذكورة بين وصوله إلى وزارة الخارجية وبين تعيين مساعده السابق في إسرائيل، ميشيل ميرايه، في وزارة الدفاع لتنسيق تقارير الاستخبارات الخارجيّة.
ويرى البعض أنّ لسفير فرنسا السابق في واشنطن، المنتظر تعيينه في رئاسة مجلس الأمن القومي، جان دافيد ليفيت، يداً وراء رزمة التعيينات هذه، التي يصفها دبلوماسيون بأنّها «نواة المحافظين الجدد في الإدارة الساركوزية الجديدة»، التي تقطر مركبة دبلوماسيتها.
والتأثير، الأميركي الطابع، لا يتوقّف على التركيبة الجديدة لمفاصل الإدارة المحيطة بكوشنير بل يتجاوزها إلى «قاموس التعابير» التي باتت تُستعمل في تصريحات المسؤولين عن الملفّات الساخنة. ففي سياق «محاولة تخفيف حدّة تصريحات كوشنير»، لم يتردّد أحد كبار المسؤولين في وزارة الخارجية في وصف «نتائج الصراع» باستعمال مصطلح «تزجيج»، وأشار إلى أن فرنسا تدعم إنشاء «منطقة خالية من الأسلحة النووية» مستخدماً التعبير الذي درجت على استعماله الإدارة الأميركية، عوضاً عن التعبير المعمول بها سابقاً في الدبلوماسية الفرنسية «نزع السلاح النووي»
وينعكس هذا التوجّه الأميركي على المقاربة القانونية للملفّ الإيراني أيضاً، إذ تؤكّد مصادر فرنسية رفيعة المستوى أنه تقع على الجمهوريّة الإسلاميّة مسؤوليات قانونية جرّاء توقيعها معاهدة الحد من انتشار الأسلحة، وترى أنّ «طهران لا تستطيع الانسحاب من هذه المعاهدة»، موضحةً أنّه حتى لو فعلت «فهي تظلّ مسؤولة عن انتهاك المعاهدة خلال الفترة التي كانت مرتبطة بها».
وفي المقابل، يرى البعض أن تشديد باريس في اليومين السابقين على «العقوبات»، حتى لو كانت خارج إطار الأمم المتحدة، ومحاولة إلباسها «ثوباً أوروبياً»، إضافة إلى تسريبات من مصادر دبلوماسية تقول إن باريس تعمل على وضع لائحة عقوبات تحضّر لما يمكن أن يُتفق عليه في مجلس الأمن، يُفسّر بمقولة أنّ فرنسا تستعد لوضع «لائحة إضافية» إلى هذه العقوبات ستكون «مالية في الدرجة الأولى»، في إطار أوروبي ـــــ أميركي، كي تكون ضمانة بألّا يتكرّر مع فرنسا ما حصل بعد احتلال العراق حيث تم استثناؤها من عملية إعادة الإعمار بسبب معارضتها للغزو.