غزة ــ رائد لافي
اختلطت مشاعر الناجحين والمتفوقين في الثانوية العامة (التوجيهي)، في قطاع غزة، بين الفرحة والقلق الشديد على المستقبل، في ظل الحصار وإغلاق المعابر، والمناكفات الحادة بين «دولتي غزة والضفة»، التي حوّلت الطلبة إلى مادة للسجال وإثبات الشرعية


طالت الخلافات بين رأسي الحكم في فلسطين كل مفاصل الحياة وتفصيلاتها، فاضطرت حكومة «حماس» إلى إعلان نتائج «التوجيهي» في غزة، بشكل منفصل قبل نحو أسبوع، بعد فشل الاتفاق مع حكومة تسيير الأعمال، التي أعلنت بدورها نتائج الضفة الغربية.
ولم يخف طلبة غزة تخوّفهم من انعكاس الأوضاع السياسية الداخلية، والحصار الخانق المضروب على قطاع غزة، على مستقبلهم العلمي، فيما بدت أحلام الكثيرين منهم بالدراسة في الجامعات العربية والغربية تتبخر في ظل الحصار والإغلاق.
وبعد سنوات من تهيئة نفسه لمغادرة القطاع للمرة الأولى، في طريقه لإكمال تعليمه، بدأ الإحباط يسيطر على الطالب نعيم رستم، الحاصل على معدل 96.3 في المئة في القسم العلمي.
وانشغل والد الطالب نعيم، الدكتور هاني رستم، خلال الأيام التي أعقبت الإعلان عن النتائج، في تهيئة ابنه نفسياً للدراسة في إحدى الجامعات المحلية في القطاع، لتوقعه عدم فتح معبر رفح الحدودي مع مصر، وهو المنفذ الوحيد لسكان القطاع على العالم الخارجي.
وكانت أمنية نعيم أن يدرس تخصصاً غير متاح في الجامعات المحلية حتى لا يكون تقليدياً، لكن يبدو أن الظروف السائدة عاندته وخذلته، مثلما خذله التوتر الداخلي وموجات الاقتتال من الحصول على معدل أعلى. وقال «لقد ذقنا المر من الاقتتال، وقررت الدراسة في الخارج كي أتمكن من التعلم بعيداً عن أجواء الحرب والمشاحنات».
ولم يخف الدكتور رستم حزنه على ابنه لعدم تحقيق أمنيته بالدراسة في أجواء هادئة ومريحة، فيما أبدى خشيته من عدم حصول ابنه على منحة دراسية لعدم اعتراف رام الله بما يصدر عن الحكومة المقالة في غزة. وتساءل: «لمن ستذهب المنح الدراسية هذا العام؟»، مشيراً إلى حق ابنه في أن يحصل على منحة نظراً لتفوقه، داعياً إلى عدم حرمان طلبة القطاع من مئات المنح الدراسية التي توزعها وزارة التربية والتعليم العالي سنوياً على المتفوقين.
وتذكّر نعيم كيف اضطر في أحد أيام الامتحانات للوصول إلى قاعة الامتحانات بواسطة سيارة إسعاف بفعل ضراوة الاشتباكات الداخلية.
وكانت وزارة التربية في غزة قد أرجأت امتحانات التوجيهي في بعض مناطق القطاع، بفعل الاشتباكات الداخلية، التي راح ضحيتها الطالب فراس الأسطل من مدينة خان يونس، جنوب القطاع، والطالبة عائشة الشوا من مدينة غزة.
وقالت الطالبة شذا أبو اسحق، الحاصلة على المرتبة الأولى في القسم العلمي بنسبة 99.4 في المئة، إنه رغم الظروف الأمنية الصعبة التي رافقت الامتحانات، سواء المتعلقة بالاحتلال أو بالاقتتال الداخلي، إلا أنها استطاعت مواجهة كل هذه الضغوط والانتباه والتركيز في الدراسة، كي تثبت للعالم كله أن «الشعب الفلسطيني يحب العلم والنجاح، وليس الدم والاقتتال».
وأعربت أبو اسحق عن قلقها بسبب الأوضاع الخطيرة الناجمة عن الانفصال والانقسام الجغرافي والإداري بين الضفة والقطاع، ومن ضمن ذلك تداعيات إعلان النتائج بشكل منفصل. ودعت الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء المقال إسماعيل هنية إلى إصلاح ما أفسدته الأحداث الأخيرة والعمل على إنهاء الوضع القائم، والعودة إلى الوحدة الوطنية الحقيقية، حرصاً على مصلحة المواطنين.
وتأمل الطالبة فاتن محمد النعامي، من مخيم المغازي، الحائزة المرتبة الثانية في الفرع العلمي بمعدل 98.6 في المئة، بعودة «الوحدة والاتفاق بين أبناء الدم والشعب الواحد، والحب والأمل للشعب الذي عانى وما زال يعاني من ظلم وقمع الاحتلال». ووجهت أيضاً رسالة إلى الرئيس عباس وكل الأطراف المعنية للاهتمام بشريحة الطلبة وعدم نسيانهم، والمساهمة أكثر من السابق في دعمهم وعائلاتهم لإكمال مسيرتهم التعليمية، مطالبة باستمرار وزارة التربية والتعليم بتقديم المنح الدراسية للطلبة المتفوقين، وعدم تركهم لمصير غير معلوم.
وتساءلت الطالبة ياسمين الشرفا، الحاصلة على نسبة 99.3 في المئة، «ما ذنبنا نحن في أي خلاف؟»، مشيرة إلى أن ما رافق النتائج من أحاديث حول شرعيتها، والتساؤلات التي وردت هنا وهناك نغّصت على المتفوقين فرحتهم، وجعلت الكل يتساءل: «هل تصل الخلافات بين الطرفين حد المغامرة والمقامرة بمصلحة الجيل المقبل؟».
وأعلنت الحكومة، التي يترأسها سلام فياض، أمس، النتائج في الضفة الغربية. وقال وزير الإعلام رياض المالكي «نقول إن نتائج التوجيهي التي أعلنت في غزة صدرت من دون الحصول على بيانات لإقرارها، نحن لن نسلّم بالأمر الواقع»، متهماً حركة «حماس» بـ«تزوير بعض النتائج التي تم الإعلان عنها». وقال إن «المسؤول عن مشكلة طلاب الثانوية العامة في قطاع غزة هي حركة حماس، وعلى الأهل مراجعة الحركة ونحن بدورنا سنبحث عن حل». ودعا طلاب القطاع إلى تقديم طلبات الالتحاق في الجامعات للحصول على موافقة مبدئية «حتى يتم التأكد من حقيقة النتائج التي أعلنتها حركة حماس».
ورفض المتحدث باسم «حماس» فوزي برهوم تصريحات المالكي. وقال إن النتائج في غزة تمت وفق القانون الفلسطيني والنظام التربوي السائد. وأضاف، لوكالة «فرانس برس»، إن «حكومة فياض تتحمل مسؤولية تسييس الأمور الحياتية، التعليمية والصحية، وقد رفضت الإعلان عن نتائج التوجيهي بشكل موحد وكأن غزة تعيش في عالم آخر».
ورأت وزيرة التربية والتعليم في حكومة فياض، لميس العلمي، أن إعلان نتائج التوجيهي بشكل منفصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة «سابقة خطرة». وقالت إنه «حتى إبان الاحتلال الإسرائيلي، كانت النتائج تعلن في الوقت نفسه». وأضافت إنها «بذلت جهوداً مضنية للإبقاء على مؤسسة التربية والتعليم بعيدة عن التجاذبات السياسية»، مشيرةً إلى أن اللجنة التي قامت بتصحيح أوراق الامتحانات عملت بشكل موحد بين الضفة الغربية وقطاع غزة لإخراج النتائج في وقت واحد، «لكن العاملين في لجنة الامتحانات في الضفة الغربية فوجئوا بإعلان النتائج في قطاع غزة، من دون حضور تربوي، وهو الأمر الذي يؤكد أن إعلانها كان قراراً سياسياً، لا تربوياً».
وكان المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان قد حذّر من إمكان فقدان طلبة التوجيهي فرصهم في التعليم الجامعي، مشيراً إلى أنه ينظر بخطورة بالغة إلى آخر التطورات الناتجة عن الصراع بين حكومة سلام فياض والحكومة المقالة، والتي طاولت قطاع التعليم بصورة مباشرة، وهددت مستقبل آلاف الطلبة في القطاع.
واعتبر المركز، في بيان، أن ذلك بمثابة «مسّ بالحق في التعليم، الذي كفله القانون الأساسي والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان»، محذراً من «العبث بالعملية التعليمية، ووضع آلاف الطلاب أمام مصير مجهول يهدد مستقبلهم التعليمي».