strong>صباح أيوب
«كلّ من لا يتكلّم الإنكليزية ولديه بشرة غامقة ليس بشرياً ونستطيع أن نفعل به ما نشاء»

شهادات الجنود الأميركيين في العراق لصحيفة «ذي نايشن» الأميركية كشفت خفايا المأساة العراقية، والقتل اليومي الذي يتربص بأبناء الرافدين عند كل مفترق طريق لمجرد الشك في الشكل أو اللباس أو الحركة.
مئات قتلوا بالطريقة هذه. كان يُفترض أن يكونوا ضحايا الحرب و«أخطاء» الجنود، إلا أن السياسة العسكرية الأميركية حوّلتهم إلى قتلى وجلادين لتعفي المحتلين من أي مساءلة قانونية.
العدو
تقول الصحيفة، في تقريرها، إن معظم المشاركين في الحرب على العراق افتقدوا ما يسمّى «ثقافة العدوّ» أو شعار «اعرف عدوّك»، فغالبية الجنود الأميركيين لم يكونوا على علم بموقع العراق الجغرافي ولا بتاريخه ولا بثقافة شعبه، كذلك هم يجهلون تماماً التخاطب باللغة العربية. والبعض ذهب الى الحرب مكوِّناً في فكره صورة مسبقة عن العراقيين بصفتهم نموذجاً «للعرب المتخلّفين والإرهابيين».
ويشير الجنود، في شهاداتهم التي نشرتها الصحيفة، إلى أنّ «البعض كانت لديه (ولا تزال) تلك الفكرة القائلة بأنّ كلّ من لا يتكلّم الانكليزية وكل من لديه بشرة غامقة هو ليس بشرياً، وبالتالي فإننا نستطيع أن نفعل به ما نشاء».
وقد انتشرت بعض التعليقات الفكاهية والنكات التي تتهكّم على العراقيين والعرب والإسلام، وأصبحت بعض العبارات، مثل كلمة «الحاج»، رمزاً لكل ما هو عربي أو عراقي إن كان بشرياً أو جماداً، من دون المعرفة الحقيقية لما تعنيه تلك الكلمة؛ أصبح الجنود يستخدمونها في تسمية كل ما تقع أعينهم عليه مثل «منزل الحاج» و«موسيقى الحاج» و«لباس الحاج». وهو ما يذكّر، بحسب الصحيفة نفسها، بالنمط التهكّمي الذي انتشر أيضاً في حرب فييتنام عندما كانت كلمة «غوك» تستخدم في هذا السياق وكلمة «raghead» أو «رأس الممحاة» في الحرب على أفغانستان، فضلاً عن الصفات العنصرية التي كانت تطلق على كلّ من يصادفه الجنود على الطريق أو أثناء المداهمات.
وبحسب شهادات الجنود أنفسهم، كانت المواكب السيّارة «أفضل الأوقات» لإبراز كل تلك النزعات العنصرية لدى الجنود وإلقائها على المواطنين المدنيين علناً.
ويعترف بعض الجنود بأنّه أثناء الدوريات الراجلة أو المؤللة كان «يطلق النار على عدد كبير من المدنيين لمجرّد الشكّ بكونهم يعدّون أو يسعون لتفجير عبوة ما على الطرق، فقتل العديد من المدنيين، وبينهم أطفال، من دون دليل، ولم تُدرج تلك العمليات في التقارير العسكرية اليومية».
«كان من الأجدى لنا أن نستغلّ تلك الدوريات للاختلاط بالمواطنين العراقيين والتعرّف إليهم عن قرب، وهو ما كان سيساعدنا كثيراً في مهمتنا على أرضهم، لكننا فضّلنا أن نستخدم القوّة والتهكّم للسخرية من الشعب العرقي الذي يستضيفنا. أصبح قتل العراقيين المدنيين من روتين الحياة اليومية»، هذا ما قاله بعض الجنود لوصف مدى انعدام الشعور الذي يعتريهم وهم في ساحة المعركة.
«كنّا أمام خيارين: قتل المدني المشتبه فيه أو تركه يقتلنا»، وكان معظم الجنود يفضّلون استباق الأمور والتخلّص من المشتبه فيهم قبل إقدامهم على أي تحرّك أو استهداف. ومثلما ورد في التحقيق، فإنّ معظم الجنود يتصرّفون وفق مبدأ «علينا أن نتخلّص من هذا الإرهابي ونقتله هنا حالاً بدل أن نضطرّ لمواجهته في ديارنا عندما يقرر أن يشنّ هجومه علينا على أرضنا». وهذا المبدأ ينطلق من نظرية الرئيس جورج بوش والإدارة الأميركية في «الحرب على الإرهاب» التي تصفها بـ «الحرب الوقائية» أو «الحرب الاستباقية».
ويوضح الكابورال جو هاتشر (26 عاماً)، لـ«نايشون»، أنّ الجنود يحملون دائماً سلاحاً حربياً مخصصاً للرمي، إذ «يمكننا التخلّص منه ساعة نشاء، فعندما نصيب أحد المدنيين نرمي ذلك السلاح بالقرب منه. بذلك لا يمكن أن نُتَّهم بأننا نهاجم مدنيين عزّلاً، وإن لم يمت المدني، فبإمكاننا القبض عليه بتهمة حيازة السلاح».
حواجز التفتيش والمراقبة
يتفقّ 26 جندياً، من بين الذين شاركوا في تحقيق «نايشن»، على أنّ حواجز التفتيش الأميركية كانت بمثابة نقطة الهلاك لمعظم المواطنين العراقيين؛ فمعظم الجنود الذين يديرون تلك الحواجز يتعرّضون لضغط كبير نتيجة الخوف من أي استهداف لهم، لكونهم على الأرض والأقرب إلى الاحتكاك مع حركة الشارع من المدنيين. وأصاب المئات من الجنود عند نقاط التفتيش، بحسب الصحيفة، مئات العراقيين لمجرّد الاشتباه فيهم او لاقترابهم من المركز بسرعة.
ويروي أحد الجنود أنّه في إحدى المرّات «أطلق الجندي المسؤول عن نقطة تفتيش النار على عائلة عراقية بأكملها لمجرّد أن ربّ العائلة كان يقود السيارة بسرعة أخافت الجندي وأثارت شكّه». كذلك حادثة استهداف اخرى حصلت عندما قتل أحد الجنود ولداً عراقياً والسبب «أنّ الولد كان يركض مسرعاً باتجاه حاجز التفتيش».
ويُرجع البعض المسؤولية في تلك الحوادث إلى «سوء الفهم» بين الجنود والمواطنين. ويوضح بعض الضبّاط أنّ «إشارة اليد المرفوعة وتحريك الكفّ في الهواء تعني، بالنسبة للجنود الأميركيين، اشارة توقَّف مكانك، اما بالنسبة للعراقيين فهي اشارة مناداة وترحيب، ومن هنا كان يقع الخطأ والالتباس».
إلا أنّ غالبية الجنود يعترفون بأنّ الجرائم التي ارتكبت بحقّ المدنيين عند حواجز التفتيش تعود إلى «القرارات الفردية الخاطئة التي كانت تلقى ترحيب الضبّاط الأعلى رتبة من الجنود».
ويختم العريف فلاندرز تعليقه على تلك الأحداث بالقول «بدل أن نلقي اللوم على المسؤولين الكبار الذين وضعونا في هذه المواقف الحسّاسة، صببنا جام غضبنا على العراقيين واستبحنا لأنفسنا التصرّف بشكل لا انساني معهم».

الجنود يحملون دائماً سلاحاً حربياً مخصصاً للرمي إذ يمكننا التخلّص منه ساعة نشاء، فعندما نصيب أحد المدنيين نرمي ذلك السلاح بالقرب منه. بذلك لا يمكن أن نُتَّهم بأننا نهاجم مدنيين عزّلاً. وإن لم يمت المدني فبإمكاننا القبض عليه بتهمة حيازة السلاح