موسكو ـ حبيب فوعاني
اتّخذ حادث «الصاروخ الغامض»، الذي أُطلق على الأراضي الجورجية في 6 آب الجاري، أبعاداً جديدة، بعدما أكّدت وزارة الداخلية الجورجية أن خبراء أميركيين انضموا إلى فريق المحقّقين في حيثيات سقوط هذا الصاروخ الموجّه من نوع «رادوغا كا إن ـــــ 58» (قوس قزح) على مقربة من محطة الرادار الجورجية السيّارة من دون أن ينفجر.
ومع إنجاز نحو 80 في المئة من التحقيق، أعلن النائب الأوّل لرئيس الحكومة الروسية سيرغي إيفانوف أن الحادث هو «تمثيلية مسرحية رديئة الإخراج».
إلّا أنّ موسكو، رغم موقفها هذا، أعربت أوّل من أمس عن استعدادها للتعاون في التحقيق الجاري. وقال القائد العام لسلاح الجو الروسي ألكسندر زيلين، في ختام الفعاليات الاحتفالية التي أقيمت في مدينة مونينو في ضواحي موسكو لمناسبة عيد القوات الجوية الروسية، «سنعمل في إطار الاتفاقات الدولية»، موضحاً أنّ روسيا مستعدّة لتقديم معلومات المراقبة الجوية في حال تلقيها طلباً من الجانب الجورجي.
والطلب الجورجي المقدّم إلى مجلس الأمن لعقد «جلسة طارئة» لإدانة «العدوان الروسي» ووجه بالرفض، عندما أوضح رئيس مجلس الأمن الدولي الحالي مندوب الكونغو، باسكال غاياما، أنّ أعضاء المجلس «يفتقرون إلى المعلومات الدقيقة والوافية عن الحادث في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن من الضروري انتظار نتائج التحقيق، الذي تقوم به منظمة الأمن والتعاون الأوروبي.
وموقف غاياما، الذي لم يستجب لرغبة سكرتارية الأمم المتحدة بإجراء تحقيق أممي محايد بشأن الحادث، أضعف زخم الهجوم الإعلامي والدبلوماسي الذي تشنّه تبليسي على موسكو، ولا تزال تربحه، وفقاً لصحيفة «كوميرسانت».
ووفقاً للمصادر الروسية، لا تعارض موسكو إجراء تحقيق دولي في الحادث، إلا أنّ السلطات الجورجية، كما أكّد قائد قوات حفظ السلام المشتركة في منطقة النزاع الجورجي ـــــ الأوسيتي مراد قول أحمدوف، «أتلفت الأدلّة»، مشيراً إلى أنّه عندما قدمت مجموعة المراقبة صباح السابع من آب الجاري، غداة الحادث، «كان الجانب الجورجي قد استخرج جميع الأجزاء الأساسية من القذيفة الجوية ونقلها من هناك، وأنا لا أعرف ما إذا كان إتلاف القذيفة ضرورة. أُتلِفت على غير علم منّا».
والجدل بشأن الحادث يحتدم في الداخل الجورجي أيضاً، حيث يرى ممثّلون عن المعارضة أنّ تبليسي هي نفسها ألقت بالصاروخ لاتّهام روسيا بذلك. وأيّدت هذه الفرضية وزيرة الخارجية الجورجية السابقة وزعيمة حزب «طريق جورجيا» المعارض صالومي زرابشفيلي عندما قالت إنّ «اللعبة من تأليف وزير الداخلية فانو ميرابشفيلي».
ولا يستبعد المراقبون أن تكون الاتهامات التي تطلقها جورجيا الآن ضد روسيا، مرتبطة بالوضع المتردّي للاقتصاد الجورجي بعد مرور 4 سنوات على «ثورة الورود»، بما في ذلك ما يسبّبه الحظر الذي تفرضه موسكو على استيراد أهمّ الصادرات الجورجية من المياه المعدنية والنبيذ. فعلى الرغم من المساعدات الغربية المستمرّة لتبليسي، لم يجد الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي ما يفتخر به، إضافة إلى إرساله الجنود إلى العراق، سوى تصدير البيض بمبلغ 150 ألف دولار إلى بلاد الرافدين، بينما لا يزال يتلقّى راتباً شهرياً بمقدار 1500 دولار من رجل الأعمال الأميركي جورج سوروس.
ولذا، يرى المحلّلون الروس أنّ حادث إلقاء الصاروخ الغامض على مقربة من محطة الرادار الجورجية واتهام طائرة «سوخوي» روسية بإطلاقه، على الرغم من وجود هذه الطائرات السوفياتية الصنع والإسرائيلية التحديث لدى القوات الجوية الجورجية نفسها، هي المناسبة الأفضل للهروب من المشكلات الاقتصادية. كما يلفتون إلى مسألة أخرى تتعلّق بمدينة سوتشي، التي تبعد بضعة كيلومترات عن منطقة النزاع الجورجي ـــــ الأوسيتي ـــــ الأبخازي، والمستضيفة للألعاب الأولمبية عام 2012.
ومن المهم لروسيا أن تحاول المشاركة في حلّ النزاع المجمّد بشأن المنطقتين قبل بدء الألعاب، ولذلك بدأت تبليسي بتشويه سمعة موسكو أمام المجتمع الدولي وبابتزازها للحصول على الظروف الأفضل إذا ما حصلت تسويات سياسية. والرئيس الجورجي يستغلّ الحادث إعلامياً ودبلوماسياً وسياسياً، إلّا أنّ المساومة بدأت مبكرة جداً على ما يبدو.