حسن شقراني
هل هو «وقت الرحيل» فعلاً أم حلقة أخرى من «انفراط العقد»؟ تثير استقالة المستشار الأوّل للرئيس الأميركي، كارل روف، أسئلة من نوع كهذا. هو «المهندس»، بحسب تصنيف جورج بوش، ومدير حملتيه الانتخابيّتين اللتين أوصلتاه إلى البيت الأبيض. قرّر أمس أن يترك العمل السياسي في نهاية الشهر الجاري لأنّه آن أوان «إعطاء العائلة حقّها». حجة غير مقنعة، تخفي في طياتها قضايا فساد طالته امتداداتها بعدما ظهرت إلى العلن في الفترة الأخيرة؛ فهل تداعياتها عليه مؤثّرة إلى حد يصبح إكمال المسيرة عنده مع «صديقه» حتّى 20 كانون الثاني من عام 2009 متعذّراً؟
بعدما أصدر المستشار الخاص في قضيّة عميلة الاستخبارات الأميركيّة فاليري بلايم، باتريك فيتزجرالد، حكمه بالسجن 3 سنوات على مساعد نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني، لويس «سكووتر» ليبي، وقبل «العفو» الذي أصدره بوش لـ «إنقاذه»، اتّهم محامي ليبي، بيتر تايل، الإدارة الأميركيّة بـ «التضحية» بموكّله لمصلحة كارل روف.
كان ليبي متّهماً بإعاقة مجرى العدالة وتضليل التحقيقات في تسريب اسم بلايم إلى العلن، رغم أنّ كاشف الفضيحة الأساسي في عام 2003 الصحافي روبرت نوفاك، ذكر روف بصفته مصدراً من اثنين، وتستّر على الاسم الآخر. التحقيق أجري مع المستشار الأوّل للرئيس، إلّا أنّه لم يدن، بطبيعة الحال، تحت «غطاء» الإدارة.
المتحدّثة باسم البيت الأبيض دانا بيرينو وصفت رحيل روف بأنّه «خسارة كبيرة لنا»، في وقت كشف روف نفسه، في مقابلة نشرت في صحيفة «وول ستريت جورنال»، أنه كان ينوي الاستقالة منذ العام الماضي، لكنه أخر هذه الخطوة بفعل ضغط وجوب البقاء مع الرئيس خلال تطبيق خطّة «إغراق بغداد» بالجنود الأميركيّين ليصل تعدادهم في بلاد الرافدين إلى نحو 162 ألف عنصر.
تقويم أداء الاستراتيجيّة الجديدة لبوش سيقرّرها تقرير يُقدّم في أيلول المقبل، يبدو منذ الآن أنّ خطوطه العريضة تحكمها السلبيّة مع استمرار فشل الاحتلال في السيطرة على أحياء بغداد وضواحيها. فلعلّ الاستقالة الآن تبدو أكثر منطقية.
بيد أنّ أموراً أخرى متعلّقة بالفساد وبالأداء الشفّاف لموظّفي بوش، وبينهم روف، أسهمت على الأرجح في تسريع الانسحاب من المعركة الخاسرة؛ فقبل أسبوعين، وفي ظلّ ضغط متواصل من الكونغرس الذي يهيمن عليه الديموقراطيون، امتنع روف، مستخدماً الحصانة، عن حضور جلسة استماع في الـ«كابيتول هيل» متعلّقة باستخدام غير قانوني للبريد الإلكتروني لـ«الهيئة القوميّة الجمهوريّة». كذلك فإن الإضاءة على دوره في عمليّات طرد لمدعين عامين وفي توزيع مجموعة من التقارير المضلّلة إلى وكالات في الحكومة الأميركيّة زادت في سوء وضعه.
وتعدّ استقالة روف، المحلّل الاستراتيجي الأبرز في إدارة بوش والمتصدّي للعديد من الليبراليّين، درجة جديدة في سلّم التنحّي بين مستخدَمي بوش؛ فالشهور الماضية شهدت الانسحاب السياسي للمستشار الرئاسي دان بارتليت، ونائبي مستشاريّة الأمن القومي جاي دي كراوتش وميغان أوسوليفان، والمستشارة السياسيّة سارا تايلور، ومدير التخطيط الاستراتيجي بيتر وهنر، إضافة إلى موظّفين آخرين.
أيّ من هؤلاء لا يضاهي تأثير تملّصه من إطار السياسة الجمهورية وابتعاده عن الإدارة القائمة، استقالة روف. فرحيله عن الإدارة، حسبما أوردت صحيفة «واشنطن بوست»، هو نهاية حقبة علامة في سياسة الحزب الجمهوري، بلورتها 14 عاماً من «النصائح» المقدّمة لبوش الابن، ومن النجاحات المتواصلة التي لم يكسر تتابعها سوى سيطرة الديموقراطيّين على الكونغرس العام الماضي.
ولفهم إصرار بوش على وجوب تبرئة مستشاره وتقديم المخرج «المشرّف» له، يكفي إلقاء الضوء على «المثلّث الحديدي» الذي ضمّ كارين هيوز وجو أولبو وروف، الذي مثّل محرّك ماكينة بوش في المراحل الأولى من انخراطه في السياسة في ولاية تكساس، وكون روف «لولب المثلّث»، بقي مع الزعيم ليخطّ له استراتيجيّات الانتصار في واشنطن حتى «وقت الرحيل» أو... الهروب!